الإمام الليبيى محمد المهدى السنوسي ( 1260 – 1320ه / 1844 – 1902م ) الجزء الأول
![]() |
مصدر ، زواج ، | الحركة السنوسية | ، افريقيا، | السنوسية دين ودولة | ، السنوسي الكبير |
فى هذا الجزء من ترجمة محمد المهدى السنوسي سوف تنتاول مولده وصفاته ووصفه ونشأته إلى أن صار
رئيساً للحركة السنوسية .
نسبه : -
هو
محمد المهدى بن محمد بن علي بن السيد السنوسي بن العربي الأطرش ابن محمد بن عبد القادر
بن أحمد شهيده بن محمد شائب الذراع بن يوسف أبو ذهيبة ابن عبد الله بن خطّاب بن علي
أبو العسل بن يحي بن راشد بن أحمد المُرابط بن منداس بن عبد القوي بن عبد الرحمن بن
يوسف بن زيّان بن زين العابدين بن يوسف بن الحسن بن إدريس بن عبد الله بن أحمد بن محمد
بن عبد الله بن حمزة بن سعيد بن يعقوب بن داوود بن حمزة بن علي بن عمران بن إدريس الأزهر
(الأصغر) أمير المسلمين وباني مدينة فاس بن الإمام إدريس الأكبر أول ملوك الأشراف الأدارسة
بالمغرب بن عبد الله الكامل بن الحسن المُثنّى بن الإمام الحسن السبط بن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، أما أمه فهى فاطمة أحمد بن فرج الله الفيتوري .
مولده : -
ولد
فى يوم الأربعاء غرة من شهر ذى القعدة عام
1260ه / 11 نوفمبر 1844 م ، عند طلوع الفجر
بالمغارة التى سكنها والده فى جبل ماسة بالقرب من ضريح صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم سيدنا رويفع بن ثابت الأنصارى بالجبل الأخضر بجانب زاوية البيضاء ، وعند ولادته كان أبوه فى
درنة ، فكتب إليه عمران بن بركة يهنئه ويسأله عن الأسم فلما قدم المبشر عليه حكى لهم
حكاية قال كان رجلاً يخرز طبلاً فمر به جماعة وهو يخرز ، قالوا له : ماذا تفعل ؟ قال
: إذا يبس تسمعون صوته ، ثم قال لحميه أحمد بن فرج الله : هذا المولد الذي ازداد على
ابنتك يقف موقفاً يجرى فيه الدم مجرى الماء فى الوادي ، وقال
الآن ظهر الصباح ، وطفئ المصباح ويعنى بالصباح
ابنه وبالمصباح نفسه ، فسماه أولا باسم أستاذه السيد أحمد بن إدريس ، فلقد بشره أستاذه
السيد أحمد بن إدريس العرائشى بهذا الغلام قبل عشرين عاماً وقال لوالده : هو الخليفة
بعدك ، وبقى أسبوع بهذا الاسم ، وفى سابع ليلة أبدل اسمه باسم محمد المهدى وقال : سميته
بهذا الاسم امتثالاً لأمر سيدنا رسول الله صلى الله وعليه وسلم حيث رأيته فى المنام
وقال لى : سمِه محمد المهدي ، ثم قال : أسميناه
المهدى ليحوز إن شاء الله أنواع الهداية ، ونرجو الله أن يجعله هادياً مهدياً .
موقف السنوسى الكبير والسنوسيون من ولادة المهدى : -
كان
سرور السنوسي بولادة المهدى عظيمة حتى ان مريديه لم يروه قط فى مثل تلك السعادة اللهم
إلا ليلة زفافه بأم المهدى ، ومبعض هذا السرور الشعور بالأبوة بعد أن قارب الستين من عمره ،
وبأن هذا الابن سيخلفه فى القيام بالدعوة ويكمل ما بدأه هو من أعمال ، وهذا الشعور
ظاهر من الحكاية التى قالها لمن حوله فكأنه الرجل الذى يخرز طبلاً ويعداً أمراً ، وكانت فرحة الأخوان السنوسيون عظيمة فقد كانوا
يتمنون من الله أن يرزق شيخهم مولوداً مباركاً .
تربية وتعليمه : -
بعد مدة أرسل السنوسي
بالقدوم بزوجته ، وبعد أن اتم المهدى بضعة
أسابيع سلمه أبوه لشريف حسين أبو خضراء أحد تلاميذه لتقوم زوجته بإرضاعه ، وعندما أتم المهدى الخامسة من عمره أرسل ابن السنوسى
للإخوان الكافلين له قائلاً : أدخلوه الكتاب وعلموه الوضوء والصلاة ففعلوا كما أمر ، وبعد ان أتم السنة السادسة من اعمره أدخله المدرسة
القرآنية تحت أشراف العلامة عمر بن بركة الفيتوري ، وفى منتصف السنة السابعة من عمره
حفظ جميع القرآن الكريم ، ثم طلبه والده للمجئ
للحجاز وصحبه العلامة محمد بن إبراهيم الغمارى ، وهناك عهد به والده إلى نخبة من العلماء
لتربيته وتلقينه العلوم تحت إشرافه المباشر ،
وفي سنة 1274هـ رجع محمد المهدي الى الجغبوب بصحبة العلامة عبدالرحيم المحبوب،
وواصل محمد المهدي تعليمه العالي في معهد الجغبوب وأشرف على تعليمه وتربيته والده ابن
السنوسي وكبار الأخوان ، فقد حفظ القرآن الكريم
عن مؤدبه الشيخ هاشم السفاقسي ، وعن الحافظ الشيخ سيدى مدين ، وأخذ علوم التفسير والتصوف
عن والده وعلوم الأدب عن فريد عصره الشاعر
الشيخ محمد أبو يوسف ، والحديث والأصول عن الشيخ أحمد الريفى وجميع هؤلاء الفحول من
المغرب الأقصى والمغرب الأوسط والمغرب الأدنى ، فبرع فى ساير العلوم معقولها ومنقولها
وكان مغتنياً كثيراً بعلوم القرآن والتفسير
، ولا شك ان الدراسة وهؤلاء المدرسون قد أثروا فى المهدى وفى تكوين شخصيته ، وكانت لديه مكتبة كبيرة جداً وتصله كل الكتب
التى تطبع فى مصر بواسطة مريديه .
وكان
ابن السنوسي يتابع بعناية فائقة حركات وأقوال وأفعال ابنه، وكان دقيقاً فى هذا التتبع بحيث لا تفوته كبيرة
ولا صغيره مما يحرص ، ويوجهه للصفات الرفيعة، والأخلاق الحميدة ، وكان والده يكثر من سؤال الاخوان الذين يشرفون
على تربيته وتعليمه عما وصل إليه فكانوا يبدون أعجابهم ، ففى أحد الأيام جيئ بالسيد المهدي في إحدى المناسبات
بجواد مسروج ليركبه، وكان محمد المهدي لايزال صغيراً بحيث أنه لايستطيع وضع رجله بدون
واسطة في ركاب السرج، وتقدم أحد الاخوان مطأطئاً ليصعد المهدي على كتفه حتى تصل رجله
الركاب، وكان ابن السنوسي يلاحظ هذه الحركات وينظر إليها بإهتمام من طرف خفي، ورفض
المهدي أن تطأ رجله كتفي الشخص الذي تقدم لمعاونته رفضاً باتاً، وأخذ يقود جواده بنفسه
الى أن اقترب من حجر عال مثبت بالأرض فعلاه وبذلك تمكن من أن تصل رجله الى ركاب السرج
فنال هذا اعجاب واستحسان والده والاخوان الحاضرين .
وصفه وصفاته : -
كان مشهور بالبدر لجماله فقد كان مربوع القامة ليس بالطويل ولا بالقصير ،
أبيض اللون مشرباً بحمرة ، واسع العينين أكحلهما ، اهدب الأشفار ، أشعر الحاجبين أقرنهما
بخط رقيق من الشعر الخفيف ، أقنى الأنف ، جميل
المنظر ، مدور اللحية ، واسع الفم أفلج الثنايا ، واسع الجبهة أصلح الشعر ، شس الكفين
، بعيد ما بين المنكبين ، خمصان القدمين ، فى خده الإيمن خال ، أحور ذو شعر كثيف بذراعيه ، جميل الصورة لدرجة عظيمة جداً ، يقتصد فى مشيته ، يتكلم فيما يبدو له ولا يقول
إلا حقاً ، منطقه حكمة أكثر ضحكة التبسم ، وإذا اشتد به الضحك ضحك حتى تترقرق عيناه
بالدموع ولا يسمع له صوت ولا قهقة ، وإذا أراد التكلم يمسح بيده على فخذه اليمنى ولسانه
فيه ثقل فى بعض الكلمات .
وأما
صفاته فكان منذ طفولته يتميز بالذكاء، وحسن الخلق، والتربية الرفيعة ، ذو شخصية جذابة، وبعيد النظر، وثاقب الفكر، وصحيح
الرأى ، وشديد العزم ، وأثمل الناس ورعاً ،
وأكثرهم زهداً ، أوقاته كلها معمورة بالعبادة المتنوعة ، ولا ينام فى الغالب إلا نحو
ثلاث ساعات ما بين ليل أو نهار ، ولا يحقر
أحداً ، ويقوم لقاصده الكبير والصغير والجليل والحقير ، متواضع خاضع خاشع بالمؤمنين
، يمشى على الأرض هوناً وعليه السكينة والوقار ، شديد الحياء ، لا يقابل أحداً بما
يكره ، ذو هيبة وسطوة كأنه أسدى ضارى ، كفه اسخى من البحر الزاخر ، والغيث الماهر ،
فسار أكمل الناس خلقاً وخلقاً ، فهو سليمان
زمانه ملوكانية ، وحكمة لقمانية ، وحورنة داودية ، وجمال يوسفى ، وأخلاقه محمدية .
كان لباسه
متواضع وحياته متواضعة ، فهو يجلس على بساط فوق حصير ، ويتألف لباسه من ثوب وجبة وبرنس
كبير ، ويغطى عمامته بطيلسان ( قماش رقيق )
، فلباسه هو الشاشية التونسية المشهورة بالجبل الأخضر ويجعل تحتها كمة عراقية
بيضاء تظهر حواشيها من تحت الشاشية ، ويجعل فوقها عمامة لطيفة مقدار أربع طيات ويلبس
سورية وفوقها نوع قفطان اسكندراني يلتف فوقه بحرام من صناعة الجريد أو القرب ليس به
حرير ، ثم يجعل فوق جميع ذلك برنساً جريدياً من النوع العال ، وينتعل بلغة من عمل فاس ، هذه الصفات والسمات جعلت أتباعه يطلقون عليه لقب
البدر للتعبير عن روعة وسامته حيث مدحه أحدهم
قائلاً : -
لله ما أورث البدر السنوسي من نفع لأمة خير الخلق ينتشر
توطيد ابن السنوسى مركز المهدى بين زعماء الحركة السنوسية : -
لما شعر السنوسى الأكبر بأن المهدى قد استوى عقلاً ونضوجاً وأدباً وأخلاقاً ، أخذ يعده للمستقبل ، ويهيئه ليسلمه أعباء الحركة ، وفي السنتين الأخيرتين من حياة ابن السنوسي اهتم
بتوطيد مركز ابنه المهدي بين زعماء الحركة ، وألقى الأضواء عليه، وعمل على رفع شأنه ، حيث نقل عن الشيخ عمر الفضيل -رحمه الله- قوله:
جاء السيد المهدي بـ(لوحة) الى والده ابن السنوسي يريد أن يبدأ له فيه (بالإفتتاح)
فلما فرغ من كتابته قال له: أشهد لنا بأننا خدمناك ، وكان ابن السنوسي يقف احتراماً
للمهدي عندما يستأذنه للخروج، وأنه أصلح له حذاءه مرة وقال للاخوان: اشهدوا أنني خدمت
المهدي، فخجل ابنه وتبللت ملابسه بالعرق وأحمر وجهه حياء حتى قيل أنه أصيب بنوع من
الحمى ، وقال في أحدى المناسبات : المهدي له
السيف والشريف له الكتاب ، ثم البسه السيف وقال له تقدم لتصلي بنا .
زواج المهدى : -
حرص
ابن السنوسي أن يزوج ابنه المهدي في حياته، فزوجه وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره
بفاطمة ابنة عمران بن بركة وذلك عام 1275هـ/1858م، وقد أنجبت للمهدي عدة أولاد وتوفيت
في حياته سنة 1891م .
مبايعته رئيسا للسنوسية : -
عندما توفي ابن السنوسي في صفر عام 1276هـ كانت
سن محمد المهدي حوالي ستة عشر سنة، ومع هذا فقد أسرع كبار العلماء والشيوخ في الحركة
السنوسية الى مبايعته، وكان على رأسهم عمران بن بركة، فقدموا لمحمد المهدي وشقيقه محمد
الشريف واجب التعزية، وبايعوا الإمام المهدي قاطعين على أنفسهم عهد الله وميثاقه أن
لايتهاونوا بواجب الأمانة التي تركها شيخهم الجليل لهم، وأنهم مستعدون لتقديم الأنفس
والأرواح، في سبيل دعوتهم ودينهم، وكانت تلك البيعة قبل دفن ابن السنوسي -رحمه الله
تعالى- وقد بين عمران بن بركة في خطبة تأبين
ابن السنوسي هذه البيعة في قوله: وأن تجعل
تأييد الدين وتمامه على لسان ويد نجله الطاهر وفرعه الزاهر ووارثه الماهر سيدي ومولاي
السيد محمد المهدي .
المهدى السنوسى رئيسا للحركة السنوسية : -
لما تولى المهدى رئاسة الحركة السنوسية حرص على اتمام البناء الذي شيده والده فقام بالعديد من التنظيمات والأعمال المختلفة منها :
( 1 ) كون الامام
المهدي السنوسي مجلساً أعلى من كبار الإخوان ، وكان هذا المجلس يمثل قمة الهرم الذي
قاعدته الزوايا، وكان يضم كبار رؤساء الزوايا في برقة وطرابلس ومصر، والحجاز والسودان،
وشمال أفريقيا، وكان يجتمع سنوياً في مدينة الجغبوب للنظر في أهم أمور الحركة، وكان يرأسه
محمد الشريف السنوسي ثم تعرض قراراته على الإمام المهدي، للموافقة عليها، أو تعديلها
بما يبدو له، أو رفضها، أما المجلس الخاص، فيتكون من كبار الاخوان المقمين في الجغبوب،
فيعقد جلساته يومياً بالجغبوب، وللكثير من أعضائه أعمال اخرى مضافة الى عضوية المجلس
وهو يشكل قيادة للحركة، وقد وصف الطيب الأشهب هذا المجلس ، بمثابة مجلس الوزراء، فالسيد
أحمد الريفي بمثابة رئيس للوزراء، وهو المستشار الخاص للامام محمد المهدي، وعمران بن
بركة رئيس مجلس الشيوخ، وعلي بن عبدالمولى حاكم الجغبوب، بمثابة وزير داخلية ومالية
في وقت واحد إلى جانب نظارة الخاصة الأمامية، ومحمد المدني بمثابة وزير الشؤون الاجتماعية
ومحمد الشريف ، بمثابة وزير المعارف، إلى جانب نيابته عن الامام المهدي، ورؤساء الزوايا،
كحكام للمناطق ، وبمثابة نواب الأمة عندما يجمعهم المجلس الأعلى وهناك مسؤليات أخرى
وزعت على من ذكرنا وغيرهم، كالأشراف على طلبة القرآن ، وطلبة العلم ، ومراقبة المعلمين
في المدرستين القرآنية والعلمية، والاشراف على العمال، وعلى دار الضيافة، ولاستقبال
الزوار، ومراقبة المكتبة الجغبوبية ونظام توزيع الأرزاق (التموين)، واستلام الوارد
وحفظه، الى جانب هذا النظام المحكم، هناك مجالس فرعية في كل أقليم من الأقاليم تضم
رؤساء المراكز الاصلاحية في ذلك الاقليم، للنظر فيم يتعلق باختصاصاتهم، والشؤون المرتبطة
بهم، فعلى هذا التخطيط كانت تدار شؤون الحركة .
( 2
) اهتم الامام المهدي بتطوير العاصمة السنوسية ( مدينة الجغبوب ) ، فحفلت الجغبوب
بالنشاط العلمي والزراعي وانتظم سير العمل في معهد الجغبوب، ووزع تلاميذ المدارس القرآنية
على أقسام، ورتبت بدقة أمور الدراسة، وكل مايتعلق بالطلاب، كذلك سارت حركة الصناعة
البسيطة التي يحتاجها الأهالي كالحدادة والنجارة …الخ ، واستصلحت مساحات من الأراضي وصارت تنتج الخضار
والتمور، وارتبطت الجغبوب بالزوايا المتناثرة في الصحراء، فكانت القوافل تمر منها في
رحلاتها بين الساحل الأفريقي والصحراء، وبين مصر والمغرب، كما كانت قبلة وفود القبائل
التي تدين بالولاء للسنوسية، وانتظم سير العمل في الزوايا بسبب التنظيم الدقيق الذي
سادها؛ وكان الاتصال بين المركز والزوايا يتم بانتظام، ودقة بالغين، فالرسائل مستمرة
بين المهدي ورؤساء الزوايا تنقلها القوافل في طريقها، أو ينقلها في بعض الاحيان مبعوثون
إذا استوجب الأمر الاستعجال، وتضمنت الرسائل تعاليم الحركة للزوايا وتقارير رؤساء الزوايا
للمركز بالاضافة الى أخبار الحركة والاخوان ، وكانت الزوايا تقوم بدورها في جمع المعلومات
وما يتعلق بالقضايا الأمنية وترسلها الى الجغبوب
.
( 3 ) كان نظام
البريد في الحركة السنوسية في عهد الامام المهدي ينقسم الى أربعة أقسام نقطة ارتكازها
الجغبوب وكان ترتيبه على الوجه الآتي: بريد خاص بزوايا طرابلس ، بريد خاص بزوايا برقة ، بريد خاص بزوايا مصر ، بريد خاص بزوايا السودان .
( 4
) أسس نظام خاص لكل من
يريد زيارة المهدى ترتبط اجراءاته بالسيد محمد البسكري الذي يعد بمثابة رئيس الديوان
والتشريفاتي، فهو الذي يقوم بتحديد مواعيد الزيارة التي لاتكون إلا عن طريقه، ويصحب
كبار الزائرين ويقف خلف زعيم الحركة السنوسية اثناء الزيارة سواء كانت الزيارة للعوام أو الخواص، أما إذا كان الزائر أو الزوار تابعين لأحدى الزوايا، فعلى رئيس الزاوية ان
كان حاضراً ترتيب هذه الزيارة مع محمد البسكري وقد جرت العادة بأن تكون زيارة الضيوف
بعد تمام مدة الضيافة وهي ثلاثة أيام إلا في حالات استثنائية .
( 5
) فتح المراكز الاصلاحية، والمدارس القرآنية، وبناء المساجد التي
اهتمت بنشر الاسلام، وقام بإرسال دعاة ومبشرين
بالاسلام ودين الله، اشتهر منهم العلامة، محمد عبدالله السني، والشيخ حموده المقعاوي،
وطاهر الدغماري، وغيرهم كثير ، الذين عملوا
بكل جهد وقوة من أجل نشر الدعوة بين أهل البلاد
القريبة والبعيدة في أفريقيا الوسطى خصوصاً حتى ذاع صيته، وتمكن السنوسيون بفضل الله
تعالى ثم جهودهم المتواصلة من أن يصلوا بدعوتهم الى قلب الصحراء الكبرى، وأطرافها حتى
جهات بحيرة تشاد ومايجاورها من إمارات اسلامية قديمة أو قبائل زنجية وثنية أو قبائل
أخرى لم يكن قد صلح حال اسلامها بعد ، دخلت
عدة قبائل افريقية في الدعوة الاسلامية بفضل الله تعالى ثم جهود الحركة السنوسية ومن
أشهر القبائل التي استجابت لدعاة الحركة السنوسية؛ قبيلة بلي التي كانت على الوثنية،
ووصلت الدعوة الاسلامية الى شعب التيدا في بلاد تيبستس بالصحراء الكبرى جنوب واحة فزان،
فقد كانوا لايعرفون من الاسلام إلا إسمه، وكان دعاة الحركة السنوسية قد توغلوا في افريقيا
ووصلوا الى بلاد الجَلا في الحبشة، فيرسلون إليها في كل عام من هَرَر، حيث تتمتع السنوسية
بنفوذ كبير، وتكاد تجد كل الرؤساء منهم في بلاط الأمير بلا استثناء، وكانت الحركة السنوسية،
تفتح المدارس وتبنى المساجد، والمراكز الاصلاحية وتشتري العبيد ثم يعلمونهم مبادئ الاسلام
ثم يعتقوهم ويرسلونهم الى أوطانهم وقبائلهم ليدعوا أقوامهم الى الاسلام .
( 6
) تمكن الامام المهدي أن يبني علاقات قوية مع الامارات الاسلامية
في واداي، وبرقو، وكانم وغيرها من الدول الأفريقية ، واختط خطة حكيمة كانت مبنية على الحيطة والحذر من النفوذ
الصليبي الأوروبي في أفريقيا ثم عدم التردد في مكافحة هذه الدول إذا جد الجد، كما فعل
مع فرنسا ، واستفادت الحركة السنوسية من هجرة
القبائل العربية القديمة في افريقيا وجددت الصلة معها ونسقت معها في الدعوة وفي الجهاد
ضد فرنسا ومن أشهر هذه القبائل؛ أولاد سليمان، أولاد يعقوب، أولاد غنّام ، المحافيظ
وغيرها كثير وكانت قد استقر بعضها في مالي، وتشاد، والنيجر، ونيجيريا ، والكمرون.
( 7
) بلغت الدعوة السنوسية فى عهد المهدى غايتها من الإنتشار وتوطدت
أركانها بفضل الزوايا ، فكلما انتشر الدعوة كثرة أنشاء الزوايا ، حيث بلغ عدد الزوايا
فى برقة عام 1885م ثمان وثلاثين زواية ، وفى الفزان
بلغ عدد الزوايا 22 زواية، فأضحت هذه الزوايا مركزا للتجارة كما غدت ملجاً أميناً للجزائرين الذين يقومون الفرنسيين ، وانتشر السنوسية
فى تونس عن طريق القادرية ، فأنشأت خمس زوايا ، وفى بلاد الجزائر أسس السنوسيون خمس
زوايا ، وفى الجهات التى انتشرت فيها الطريقة التيجانية وجدت السنوسية سبيلاً إلى الذيوع
بواسطة زوايا هذه الطريقة ، أما فى مراكش فقد
تأسست منذ عام 1877م ثلاث زوايا فى طنجة وطيطوان وفاس ، وساعد انتشارها وجود زوايا
للطريقة الدرقاوية ، كذلك أنشا السنوسيون زوايا فى طرق القوافل إلى مصر ، فى سيوه ،
والزيتون ، والحوش بجهة الاسكندرية والنطرون ، ثم فى الفرافرة ، ولهم زوايا فى الأسكندرية
والقاهرة والسويس ، وفى بلاد العرب كان لهم اثنى عشر زواية فى مكة وجده وينبع والمدينة
المنورة وغيرها ، وقيل أنها لقيت انتشاراً فى العراق ساحل الصومال الأفريقى ثم فى الفسطنطينية
، وانتشرت فى قلب الصحراء الكبرى وفى مجامل القارة الأفريقية ، فوصلت إلى قبائل التيو
، والتوارق فى الأقاليم الممتدة جنوباً إلى بحيرة تشاد ، ومن حدود مراكش الجنوبية إلى
نهر النيجر ثم إلى نهر السنغال غرباً ، وقد انتشرت السنوسية انتشاراً كبيراً وكان من
كبار السنوسية فى هذه المناطق الحاج أحمد التواتى المشهور الذى كان يعتبره الفرنسيون
ألد أعدائهم فى هذه الجهات ، وأستطاع المهدى
تأييده السلطان يوسف فى واداى فكان من أعظم الأمراء إخلاصاُ وولاءاً للسنوسية ، كذلك
دانا ملك دويلة وهى تقع إلى الشمال الشرقى من راداى بالطاعة للسنوسية وكان يرسل إلى
السيد المهدى كل عام هدايا كثيرة وعدداً من الشبان للتعلم فى زواية الجغبوب ، وانتشرت
فى جهات البائيلى الشمالية وهو الوانياتجا وتأسست بها زاويتان وهما زاوية سيدى عبد
الرب وزاوية سيدى السنوسى ، وانتشرت فى جهات برنو ثم فى جهات النيجر حول تمبكتو ، وفى بلاد كانم ، ويرجع انتشار السنوسية فى الصحراء الكبرى بفضل
التنظيمات الدقيقة التى وضعوها على أساس إنشاء الزاويا وأحكام الصلات بينها وبين الزاوية
الكبرى
.
( 8
) قام المهدي بتقوية الصلات التجارية بين الزوايا وبين مراكز التجارة
والاسواق المختلفة، ونتج عن ذلك استتباب الأمن في هذه الربوع وإنتشار الطمأنينة، فقد
زاد نشاط القوافل وأقدم المسافرون والتجار على قطع الفيافي والصحارى من غير تردد، فظهرت بوادر العمران في الطرق الصحراوية وأصبح من
الميسور على دعاة الحركة أن يصحبوا هذه القوافل وهؤلاء المسافرين والتجار في رحلاتهم
وأسفارهم ويدعون الى الاسلام، ويقضون على الوثنية، ويعطلون بذلك أعمال التنصير الذي
تدعمه الدول الأوروبية في أفريقيا، وبالفعل حققت الحركة انتشاراً عظيماً في أوساط أفريقيا
مثل بلاد النيجر ، والكنغو، والكامرون، وجهات بحيرة تشاد، وذاع خبر الحركة السنوسية
في افريقيا من خلال طريق واداى وبرنو وكانم واداموا والداهومي.
( 9
) كان الامام المهدي مهتماً بالبناء الداخلي للحركة ولذلك أشرف بنفسه على إصلاح ذات
البين بين القبائل وكان يرى وحدة الصف والتربية الجهادية مهمة في مواجهة المعارك القادمة
ضد الاسلام
تعليقات
إرسال تعليق