الأسطورة العماني تيبوتيب فاتح الكونغو ( 1256 – 1322ه/ 1840 – 1905 م )

الأسطورة العماني تيبوتيب فاتح الكونغو ( 1256 – 1322ه / 
1840 – 1905م ) 

الأسطورة-  النشاط التجارى - التاجر - فتح - المقاومة العربية
الأسطورة العماني تيبوتيب فاتح الكونغو
الأسطورة-  النشاط التجارى - التاجر - فتح - المقاومة العربية


الأسطورة العماني تيبوتيب فاتح الكونغو 

هو حمد بن محمد بن جمعة بن رجب بن محمد بن سعيد المرجبي  ، ويرد اسمه الأول فى المصادر العربية حميد ، بينما يرد فى المصادر الأجنبية حمد ، والمرجح لدينا هو حمد ، وذلك بالاستناد إلى رسالة كتبها بنفسه وذكر الاسم حمد  ، وقبيلة المراجبة هى واحدة من القبائل العربية العمانية التى هاجرت إلى شرق أفريقيا وأسهمت بشكل فاعل فى توطيد نفوذ اليعاربة فى تلك المنطقة بعد استعانتهم بهم للوقوف بوجه المحاولات البريغالية فى السيطرة على شرق أفريقيا خلال النصف الثانى من القرن السابع عشر ومطلع القرن الثامن عشر ، ومنطقة استقرار هذه القبيلة كان إلى الجنوب من مدينة دار السلام الحالية  .

مولده ونشأته : - 

ولد حمد المرجبي في قرية كوارارا بجزيرة زنجبار سنة 1256هـ / 1840م لأسرة متوسطة الحال، وأب مغامر عشق التجارة، فتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ ما أمكنه من القرآن الكريم ثم وجد نفسه وحيداً عندما غادر أبوه جزيرة زنجبار إلي سواحل إفريقيا الشرقية  ، ولما بلغ اثنى عشرة سنة أقترض اثنى عشر ريالًا أشترى بها ملحًا سافر به إلى دار السلام ومنها إلى داخل البلاد للتجارة ، ولبث شهورًا يتردد في بيع الملح، وكانت أسفاره لا تزيد عن مسير يومين أو ثلاثة أيام ثم طال سفره شيئًا فشيئًا ، وأطمأن إليه التجار بأموالهم فتجار في الثياب والمأكولات والكوتشوك وغيرها حتى اجتمع عنده شيء يسير من المال ، ثم بلغه أن أباه قد استقر بمدينة تابورا في الساحل الأفريقى  ، وتزوج من ابنة سلطان الأنيموز الزنجي، فلما صار حمد أو (تيبوتيب) كما لقبه الزنوج تاجراً في الساحل أهتدى إلي مكان أبيه، فلما حل عنه  أكرم سلطان الانيموز مثواه، وأهداه عاجاً، فحفظ تيبوتيب هذا الجميل فعندما نشبت الحرب بين سلطان الأنيموز صهر والده، وسلطان زنجي آخر، انحاز حمد إلي سلطان الأنيموز، وجمع مماليكه وعدداً من الزنوج، وحارب السلطان الآخر وهزمه، واستباح أرضه، واستولي علي خيراتها، وأهمها العاج، وصار مطاعاً مسموع الكلمة في تلك البلاد، وقوي نفوذه  .

صفاته : 

من ينظر فى سياسة حمد يذهل لصدورها من رجل لم يتعلم فنون الحرب ولم يدخل مدرسة حربية فقد كان شديداً عزيز الجانب والجيش ، وكان يقود الجيش بنفسه ويتخذ نقطاً وخططاً عسكرية لحفظ خطوط الرجعة  ، وكان يتمتع بكاريزما القيادة حيث بزت عليه سمات القيادة منذ  بداية حياته العملية فعندما أراد والده العودةإلى تابورة وعهد ببضائعه إلى رجل من مريما (  MRIMA ) يسمى موينى بكار بن مصطفى ، وقال لحمد سافر معه وكن بصحبته ، فكان رد حمد له : لا أستطيع الذهاب إلى أروا وبضاعتنا فى قبضة رجل آخر ، وأنا فى وضع التابع له ، ولكن من الأفضل أن أعود معك ، فأجاب الأب : لم أكن لأعطيه القيادة لو لم تكن شاباً غير مجرب وهو خبير بالمنطقة أجمعها ، ولكن إذا كنت تشعر أنك قادر على تحمل المسؤولية فهذا أمر جيد ، فأجابه : جربنى ، وإذا فشلت فاعهد إلى رجل آخر في الرحلات القادمة ، فسلمه أباه البضائع وعاد إلى تابورة  .

ألقابه :- 

حظى حمد المرجبى بنصيب وافرمن الألقاب ، فلقب فى البداية بكينجوجوا أى الضبع الأرقش هو الوحش الذى ينقض خاطفاً هنا وهناك   ، ثم لقب تيبو تيب  وذلك عندما علم أهل كيتامبوا بأن حمد بن محمد هو الذى قتل السامو فأطلقوا عليه لقب تيبو تيب ومعناه محاكاة  صوتية لصوت إطلاق البندقية ، وكانوا يقولون أن بندقيته تطلق كل الأتجاهات كبيان لمدى شدته فى الحرب  ، ثم لقب مكانجوانزارا أى الذى لا يرهب أحداً .

النشاط التجارى  لتيبوتيب  : -

بدأ حمد المرجبي رحلته في عالم التجارة في سن الثانية عشرة من عمره عندما اقترض 12 ريالاً اشترى بها ملحاً، وسافر به إلى دار السلام والمناطق القريبة ليبيعه هناك  ، ثم ارسله والده بعد ذلك على رأس قافلة تجارية اتجهت نحو المناطق الداخلية لغرض جمع العاج وبالفعل عاد بعد مدة وجيزة بكميات كبيرة من العاج مما يدل على نجاح تلك الرحلة ،  ثم تاجر في المصنوعات المطاطية والملابس، والعاج بشكل أساسي وفى الخرز والشبة ومختلف البضائع ،  ، ويؤمن الحماية للمستكشفين الأوربيين  ، وقد وفر له هذا النشاط مردوداً مالياً عالياً أسهم فى زيادة ثروته   ، وقد قام حمد بأربع رحلات رئيسة إلى وسط القارة الأفريقية ، كانت الرحلة الأولى  1266ه / 1850م  وكان استقراره بمدينة تابوره ، والتقى بوالده الذى تروج من ابنه زعيم قبيلة الأنيامويزى ، والرحلة الثانية 1278ه / 1862م وصار فيها لتيبوتيب نشاط تجاري ونفوذ واسع فى المدن المجاورة  ، وكانت الرحلة الثالثة فى عام 1284ه / 1867 م  أحرز فيها تقدماً فى التجارة وفى التوغل فى العمق الأفريقى مع رفاقه العرب العمانيين لاسيما فى المناطق الواقعة بين جنوب بحيرة تنجانيقا وبحيرة ميروي ، وضمها إلى منطقة سيطرته وأملاكه ، ثم بقى يمارس نشاطه التجاري فى مدينة يوجيجي وتابوره ، حتى استطاع جمع ثروة طائلة من العتاد والمال والجاه مهدت له الطريق للتحرك إلى الكونغو ، وكانت الرحلة الرابعة فى عام 1286ه / 1869م تقريباً ، ووصل من خلالها إلى الكونغو فى آخر عهد السيد ماجد بن سعيد سلطان زنجبار   .

التاجر   حمد وقبيلة  السامو : - 

كانت قبيلة السامو تسكن فى منطقة أيتاوا وكان لديها الكثير من العاج ولكنه لا يؤتمن ، فقد قتلوا أعداداً كثيرة من العرب والعبيد حيث كانوا يخدعهم برؤية العاج وبرؤية بضائع أخرى ثم ينقضوا عليهم ، فقرر حمد الذهاب إلى هناك للحصول على العاج رغم نصائح وتحذيرات الكثير بعدم الذهاب ، وفى نهاية المطاف لم يأخذ بنصيحة أحد وذهب ومعه عبيده حتى وصل إلى مشارف قرية السامو ، فاستقبله بعض حاشية السامو وأخذوهم إلى مكان ليس ببعيد عن قرية السامو ، وفى اليوم الثانى أرسل السلطان بعض حاشيته يدعوه إلى اللقاء ، وذهب ومعه رئيس الحمالين والهدايا ،  فوجده سلطان  السامو طاعن فى السن يتراوح عمره بين السادسة والثمانين إلى التسعين ، وقال السلطان لحاشيته احملونى لأريهم العاج ، فأخذوه محمولاً على محفة ، وأراهم كميات عظيمة من العاج مخزونة فى منزل كبير ، فقال له حمد  : ألن يهبنى السلطان قطعتين من هذا العاج ، فاهتاج غضب السلطان  ، وعاد حمد إلى مخيمه ، وفى صباح اليوم التالى هجم السامو بجنوده على حمد وأصحابه فأصيب حمد بثلاثة سهام وصاحبه وقتل اثنان من العبيد ، ورد حمد ومن معه عليهم بالرصاص فقتل منهم مائتين بالرصاص وآخرين ماتوا دوساً تحت الأقدام وهرب الناجون ، وقد قُدر ما ماتوا من السامو بأكثر من ألف ، وتحرك حمد ومن معه نحو قرية قريبة قد فر أهلها من السامو فدخلوها وأقاموا بها ، وفى المساء جاءت قوة أخرى من السامو واحاطت بالقرية ، فأمر حمد عبيده بأن يجعلوا عشر بنادق فى كل مدخل ، ففعلوا ثم فتحوا عليهم النار فلم يروهم السامو حتى سقط منهم أكثر من ستمائة ، وفى الساعة الثانية صباحاً ظهر لهم السامو مرة أخرى وعلى استعداد للمواجهة ، فأمهلهم حمد  حتى وصلوا قريباً من مخازنه ثم فتح عليهم النار وقتلوا منهم مائة وخمسين قتيلاً  ، وفى اليوم الثالث جاء السامو بجيش عظيم وتقدموا حتى اقتربوا  ، فهجم عليهم حمد ومن معه هجمة واحدة أسقطت منهم مائتين وخمسين ، ثم طاردهم لمسافات بعيدة ، فأقام حمد لمدة شهر بالقرية حتى تمثل للشفاء ، ثم لم يعد أحد منه يرغب فى العاج ، فجمع حمد من معه من الأحرار والعبيد وسألهم : ماذا تريدون أن نعمل ؟ فلم يجبه أحد فقال لهم :يجب معرفة مكان أعداءنا وتتبعهم لأننا لا نعرف عنهم أى شئ مدة طويلة ، فقال بشير بن حبيب الوردى : سوف أذهب أنا لأنه ليس هناك ما يلزم أن تذهب بنفسك ، ثم إنك لم تسترد عافيتك بعد ، فذهب بشير ومعه خمسمائة من الرجال ، وفى الليل عادوا بالبشرى ومعهم عدد من الأسيرات والأسرى بلغ عددهم ألف نفس وقطيع من الأغنام أكثر من ألفي رأس ،ومكث حمد ومن معه يومين فلما تأكدوا من هلاك عدوهم قام بالسطو على العاج واستولوا عليه فكان الكبير منه يبلغ ألفاً وتسعمائة وخمسين فراسلة ، والصغير نحو سبعمائة فراسلة بما عليه من أملاح ، فحملوه إلى قرية اتخذها كمركز لتجارته  .

انتقل حمد إلى  أورنجو ومنها إلى قرية شانجو فاستقبل استقبالاً حاراً ، ثم بعث رجاله إلى كيتامبوا الواقعة أعلى أرونجو ، فرحبوا بهم وأطلقوا على حمد لقب تيبو تيب ، وقرر حمد عدم مغادرة قرية شانجو قبل القضاء على رجال السامو جميعهم أو يعلنون الاستسلام ، خرج رجاله متتبعين فلول السامو ، واستمرت غاراتهم عليهم مدة شهرين كاملين حتى طلبوا إيقاف الحرب وعقد الصلح على أن يدفع  السامو خمسين قطعة من العاج أى بما يعادل مائتي فراسلة   ، ثم زار السامو حمد وأهله ولكنه رفض مقابلة حمد وقابل أهله ، ثم انتقل حمد وأقاربه إلى أرونجو فأظهر ناسها استقبالاً حسنا لهم ، وقاموا بحمل العاج الخاص به إلى مامبوي  ، وتعاون معه أهل رويمبا لشجاعته فى التصدى للسامو إذ لم يستطيع أحد مقاومته من قبل ، وقام سكان مامبوي بنقل العاج  إلى نيكا ( NYIKA)  ومنها حمله رجاله إلى أسافا (  USAFA ) وأوروري   .

ثم عاد حمد المرجبي إلي زنجبار نحو سنة 1857م، وابتاع سلعاً جديدة، وعاد بها إلي المنطقة التي تملكها، وفي أثناء العودة هجم عليه اللصوص، فدافع هو ورجاله عن تجارته قدر استطاعته، ولكن قطاع الطريق نهبوا كماً من تجارته كما أن وباء الطاعون قتل عدة مئات من عبيده مما يدل علي أن رجاله كانوا كثيرين، وبالرغم من تظافر اللصوص والطاعون عليه فإنه لم ييأس، وأخذ يتاجر في ما تبقي معه ثم اتجه إلي المنطقة التي كان قد هيمن عليها، وامتلكها، فوجد السلطان الزنجي قد استولي عليها، فحارب لاستعادتها ولكنه فشل، فتراجع إلي تابورا حيث أقام فترة، وكان في نيته التوجه إلي الكونغو، ولكن نقص عدد الرجال، وقلة العتاد الحربي والمؤن أثنت عزيمته ،  وعاد مرة أخري إلي السلطان الزنجي، وكر عليه، فوجده في موضع حصين يغذيه جدول بالمياه، فحاصره عدة أشهر، وأمر عبيده بحفر قناة واسعة، وحوّل إليها ماء الجدول، فاستسلم السلطان الزنجي، وتملك حمد المنطقة مرة أخري،  وتاجر حمد المرجبي في العاج بشكل أساس، وفي الخرز والشبة، ومختلف البضائع، ومن مصادر دخله المهمة هي العقود التي كان بموجبها يوفر العمالة للشركات الأوروبية المشتغلة في القارة الأفريقية، وهكذا ترسخ نفوذ المرجبي في البر الأفريقي، وبدأ بالقضاء على الحكام الزنوج أو التحكم المطلق بهم عزلاً وتثبيتاً، وذلك بغرض توطيد تجارته بالسيطرة المطلقة على مصادر العاج خاصة، وتأمين طرق تلك التجارة .
الأسطورة  العماني  تيبوتيب فاتح الكونغو

حمد والرحالة الجغرافيين الأوربيين : -

لقاء حمد بالمكتشف الجغرافى لفنجستون : - 

المستكشف الجغرافى ديفيد لفنجستون قام برحلات ثلاث إلى شرق أفريقيا الألوى ( 1841 – 1856م ) والثانية ( 1858 – 1864 م ) ، والثالثة ( 1866 – 1873 م ) اكتشف فى الأولى أجزاء من نهر الزمبيزي ، وفى الثانية أكمل كشف هذه النهر وكشف نهر شيري ووصل ساحل نياسا ، وفى الثالثة اكتشف أنهار وسط أفريقيا وقد التقى فى هذه الرحلة بيتيوتيب  عندما أرسل حمد رجاله لمطارة السامو صادفوا لفنجستون ومعه عشرة أشخاص من السكان المحليين مشرفين على الهلاك فرجعوا بهم إلى المعسكر وقابل تيبوتيب ، فطلب لفنجستون دليلاً يرشده الطريق إلى بحيرة مويرو ، فأعطاه الأدلاء واختار لفنجستون  أحد أقارب حمد واسمه سعيد بن خلفان لمصاحبته إلى تلك الحدود ، وبعث حمد برسالة شفوية إلى أحد معارفه فى رواندا مضمونها أن يقابل لفنجستون بما يليق ويسهل له أموره ، وترك لفنجستون أحماله عند حمد قالاً له : سأكون ممتناً إذا تمكنت من إرسالها أوجيجي ، قام حمد بأرسال أغراضه مع أحد تجار أوجيجي وأعطاه أتعاب هذه العلمية  .

لقاء حمد بالرحالة ستانلي : -  

أما الرحالة الأمريكى هنرى مورتون ستانلى الذى كان يعمل لحساب ليوبولد الثانى ملك بلجيكا ، فقد نجح فى اختراق القارة الأفريقية من بجمايو إلى الكونغو ، وكان الهدف من الرحلة تتبع نهر اللوالابا ، وإثبات اتصاله بنهر الكونغو  ، وقد ألتقى حمد بستانلى وقدم له الكثير من العون والمساعدة ، ثم بدأ التوتر بينهم عندما غير ستانلي أسلوب تعامله مع العرب ، فبدأ يحتكر تجارة العاج ، ويكره العرب على الإتجار فى سلع أخرى ، وألزمهم بتصديرها من غرب إفريقيا ، وليس من سواحلها الشرقية ، وكان الهدف الرئيسى هو تمهيد الطريق للسيطرة البلجيكية  .

فتح   تيبوتيب الكونغو : -

لقد تحول حمد المرجبي (تيبوتيب) في زمن قصير من بيع الملح إلي الغزو والفتح، وذلك عندما استولي علي أرض واسعة صارت أرضه، وشيد دولة في إفريقيا هو سلطانها، فلم يقم بانقلاب أو بحركة انفصال أو بتمرد أو عصيان ضد حكومته، وإنما أقام دولة في غير الدولة التي ينتمي إليها حيث فتح ما قدره المؤرخون بثلاثة أرباع الكونغو، حيث قام سنة 1869م بحملة واسعة لضم المناطق الواقعة بين فرعى نهر الكونغو ( لوماهى ولولابا ) وبالتحديد فى مقاطعة اوتيرا UTERA  إذ التقى بشخصيات أخرى عمانية فيها ، وهم سعيد بن حبيب العفيفي وعبد الله بن سالم الخضوري مع رجالهم وأتباعهم وفرحوا فرحاً شديداً بذلك اللقاء ، واتفقوا على رفع العلم الأحمر فى تلك المناطق  ، باسم سلطنة زنجبار العربية ،  وكان ذلك أواخر عهد السلطان ماجد بن سعيد ، فلما تولى السلطان برغش بن سعيد صار مشجعاً لتيبوتيب فى تثبيت النفوذ العمانى بالكونغو وما حولها فبدا تبيو تيب نشاطه بممارسة الزعامتين السياسية والتجارية معاً  ، وقام بدور التحكيم فى المنازعات التى تنشب بين القبائل ، وتحصيل  الضرائب من القبائل ،  كما أعطى لنفسه حق عزل الرؤساء وتعيين الأوصياء ، وأخذ ينظم دولته، فاتخذ من مدينة كاسنغو عاصمة له ، وشيد بها داراً للحكم، وعين ابنه سيف بن حمد نائباً له،  وأخوه لأمه محمد بن مسعود الوردي ، وصديقه محمد بن سعيد المرجبي الملقب بوانا سيجي كحكام وولاة ينوبون عنه فى الحكم والأدارة للمناطق التابعة للكونغو  ، وقلد راشد بن محمد إمارة الجيش، وبدأت الكونغو العربية تأخذ شكل الدولة شيئاً فشيئاً خاصة بعد أن هاجرت إليها قبائل عربية أو جماعات كثيرة منها ،  حتى وصف بأنه الملك غير المتوج للكونغو   ، وامتداد نفوذ تبيوتيب على المناطق الواقعة الكونغو وهى رواندا وبوروندي حيث يذكر عن نفسه أنه قام بيناء منزل له فى وراندا   ، وقامت القبائل العربية فى الكونغو بالآتى  : -
(1)نشر  الإسلام فى الكونغو طواعية وليس بالإجبار ، وإقامة الكتاتيب لتعلم الصبية القرآن الكريم ، ونشر  اللغة العربية ومراكز تعليم الإسلام  .
(2 ) مد النشاط التجارى فى مناطق متعددة فى الكونغو منها نياسالاند ، وأراضى الباروتسى ، مد النفوذ العربى حتى افريقيا الوسطى الجنوبية ، وأقامة علاقات تجارية مع القبائل ،ونشروا الأمن على طول الطرق التجارية ، وساهموا فى تقدم الزراعة وأدخلوا حاصلات زراعية جديدة مثل الصمغ والقطن والليمون والعنب ، كما استخرجوا المعادن كالحديد والذهب والفضة والفحم ، وطوروا صناعات النسيج والزيوت والصابون   ، وأدخلوا المواشي والحمير الفارهة للركوب  ، واستفاد البلجيك من سياسة حمد فى كثير من الأعمال العمرانية كمد السكك الحديدية وتمهيد الطرق واتباع نظام دقيق للنقل النهري  .
( 3 ) أقام العرب المدن العربية فى شرق الكونغو مثل نيانجوي وكاسونجو وكبيونجي وكاسوكو وربياربيا  ، فكانت المدن جملية ونظيفة والمسحة العربية بادية عليها ، وأبواب المنازل وشبابيكها منقوشة كتابات عربية هى آيات القرآن  .

 التخطيط الأوربى لاحتلال زنجبار والكونغو : - 

لما رأي الأوروبيون التقدم العربي في شرق إفريقيا واتساع دولتهم التي شملت زنجبار وتنجانيفا والساحل الشرقي من قس إلي موزمبيق ومعظم أراضي الكونغو والزحف المصري في عهد الخديوي إسماعيل إلي أوغندا، ومناطق البحيرات، والدولة الكبيرة التي أخذ يكونها (رابح الزبير) التي تمتد من غرب السودان إلي تشاد وشمال نيجيريا ومناطق الصحراء الغربية الكبرى حتى لم يبق من إفريقيا إلا بعض السواحل الغربية بدأت المؤامرات ثم عقد مؤتمر بروكسل في بلجيكا سنة 1876م بدعوي تمدين إفريقيا .

وبدأ التنفيذ بعد ذلك، ففي سنة1877م قام ستانلي برحلة استكشافية في الكونغو برعاية ملك بلجيكا، وتعرف فيها علي دولة العرب، وكان الشخص الذي قدم له المساعدة، وزوده بالمؤن هو (تيبوتيب) نفسه دون أن يعلم بالأغراض المخفية لذلك، وبدأ ملك بلجيكا ليونولد الثاني القيام ببناء مستعمرة شخصية فى حوض نهر الكونغو تحقق مطامحه الإستعمارية بأسلوب هادئ لا يثير ضجيجاً ، وذلك تحت شعار جمعية الكونغو الدولية التى أسسها ليوبولد عام 1878م تحت رئاسته وبتمويل منه شخصياً واستخدم المستكشف ستانلى وكيلاً للجمعية فى أفريقيا  ، يقوم بعقد المعاهدات مع زعماء المنطقة يعترفون فيها بحماية الجمعية الدولية للكونغو ، حتى تستطيع الجمعية أن تثبت أمام مؤتمر برلين سنة 1885م، أنها مسيطرة بالفعل على حوض نهر الكونغو كله  ، واتفقت فيه الدول الأوروبية علي تقسيم سلطنة زنجبار ومنح الكونغو لبلجيكا وإنهاء دولة العرب فيها .

بدأت إنجلترا بالتعاون مع ألمانيا وفرنسا عام 1886م بالضغط على سلطنة زنجبار العربية من أجل تقليص الوجود والسيادةالعربية بشرق أفريقيا ، واقتسام ممتلكات السلطنة فى  الساحل وفى الداخل ، فخضعت زنجبار للنفوذ الإنجليزى وبذلك فقد حمد سنده الأكبر وتقلص نشاطه ، وحاول الإحتفاظ بالوجود العربي فى الكونغو أمام ضغط دولة الكونغو الحرة البلجيكية ، وشك حمد فى الأهداف الحقيقية لبلجيكا خاصة بعد أن وجد البواخر البلجيكية فى نهر الكونغو والمحطات على طول النهر المزودة بالأسلحة ، واحتكارهم لتجارة العاج وإجبار العرب على الإتجار بسلع أخرى ، وأخذ البلجيك يحرضون الزنوج ضد العرب، وعينت بلجيكا قنصلاً لها في الكونغو ، فجاد رد فعل حمد عينفاً فعمل على تجميع التجار العرب حوله ومنع التعامل مع التجار البلجيك ، وحققت هذه السياسة نجاحاً مما اضطر الإدارة البلجيكية إلى التراجع عن سياستها هذه ، وأعترفت بسلطة حمد المرجبي على الإقليم الشرقى  منطقة الشلالات من الكونغو عام 1887م  ، على أن يكون تابع لدولة الكونغو الحرة مقابل مرتب شهري قدره 30 جنية ، ويسمح له برفع علم خاص به وأن يوافق على قبول موظف بلجيكى يعاونه فى مباشرة اتصالاته الخارجية ،  ويتعهد بمحاربة تجارة الرقيق وتقديم الدعم اللازم لحملة إنقاذ أمين باشا التى يقودها ستانلي   ..

المقاومة العربية للإحتلال البلجيكى :-

أدرك تيبو تيب أنه فقد كل السلطات التى كان يتمتع بها وأن ليوبولد الثاني يريد منه أن يكون أداة لتحقيق السيطرة المطلقة التى كان يحلم بها على عموم الكونغو  ، وانتهز العرب الفرصة خلال تلك الفترة لكى يحصلوا على ما يحتاجون إليه من الأسلحة ، ثم سارعت القبائل للانضمام تحت زعامة حمد باعتباره ممثلاً للقوة الوطنية فى المنطقة  ، ولكن سرعان ما ساءت العلاقة بين الطرفين وساعد على ذلك عدة عوامل منها نشاط الحركة المهدية فى السودان وتأثر حمد المرجبي بها ،  فبدأ ينظر لرجال الإدارة البلجيكية على أنهم يمثلون سلطة أجنبية لها خطورتها ، كذلك استطاع الملك ليوبولد تدعيم سيطرته على دولة الكونغو الحرة وأراد مد نفوذه إلى باقى البلاد  ، فبدأ بشن سلسلة من الهجمات على التجار العرب وشنت الصحف البلجيكية الحملات ضدهم واتهمتهم بالإغارة على المراكز البلجيكية ،واستغل ليوبولد الفرصة لمحاربة العرب و حمد فأوفد بعثة عسكرية بقيادة – دين – وهو من أصل بريطانى فتصدى له  سيف بن حمد المرجبي وتحصن فى ساحل شرق إفريقيا ، ونجح فى قتل دين والتصدى للقوات البلجيكية، وقام سيف  بدور المقاومة العربية بالتعاون مع الزعماء الأفارقة المحليين ضد الوجود البلجيكى خاصة بعد أن تعرض التجار العرب فى منطقة باسوكو لمضايقات قوات دولة الكونغو الحرة إذ قامت بتجريدهم من بضائعهم بحجة منع تجارة الرقيق ، فقام سيف بن حمد  بهجمات ضد الحامية البلجيكية فى منطقة كتنغا ، وهاجمت مجموعة أخرى ممثل دولة الكونغو الحرة فى منطقة لومامي هودسيتر وكانت هذه الهجمات تتم بالتنسيق بين سيف والزعيم الأفريقى نغونغو لوتيته حاكم منطقة نغاندو   .

صمم الملك ليوبولد على التصدى لحمد المرجبي فقادت القوات البلجيكية عدة معارك ضده ، واستمرت حتى عام 1889م ،وفى عام 1891م تم تكثيف الحملات العسكرية فى وسط الكونغو بواسطة القائد هوديستر ، وفى عام 1893م تم إرسال دنيس على حملة عسكرية الذى  نجح فى إلحاق الهزيمة بالزعيم الأفريقى نغونغو لوتيته المتحالف مع العرب ، فنقض تحالفه ، وانضم إلى القوات البلجيكية ، وأمدهم بالمؤن والرجال ، كما سمح لهم بدخول كانبدا التابعة له  .

قاوم سيف بن حمد  القوات البلجيكية بقيادة دنيس وحصاره  فأرسل دنيس إلى بلاده فى 1892م يستغيث بهم ، ونجح سيف فى أسر القائد دنيس وسجنه فى قصره ، كما خرج سيف من كاسونجو على رأس عشرة آلاف مقاتل مسلحين وطالبوا القوات البلجيكية بتسليم الزعيم  نغونغو لوتيته حياً أو ميتاً ، وهدد بعبور نهر لوماجى ليقضى على القوات البلجيكية وهدد بالتقدم نحو مدينة ليوبولدفيل ، فوقعت معركة بينهم انهزم فيها سيف  وقتل من قواته أكثر من ثلاثة آلاف ،  وعاد سيف إلى عاصمة بلاده ، وفى عام 1893ه قتل قائد قواته موهارا مما أدى إلى إضعاف الروح المعنوية لقواته ، فتقدمت القوات البلجيكية جنوب نيانجوي الواقعة على الضفة اليمنى لنهر اللولابا ، وكانت من أهم المراكز التجارية  واستمرت المواجهات بين الطرفين حتى كانون الثانى عندما أصيب سيف بعدة رصاصات أدت إلى مقتله خلال المواجهات التى دارت حول معسكر اوتيا تينغو التابع له  ، وسقطت نيانجوي  فى عام 1893م وتم تخريب المدينة وتشتيت سكانها والتنكيل بهم ، وفى 17 إبريل نجحت القوات البلجيكية فى دخول كاسونجو عاصمة تيبوتيب    ، واستولت على أموال حمد بن محمد وتقدر بمائة ألف جنية وكان حمد يتمثل دائماً بقول الشاعر : -
ومن يفعل المعروف مع غير أهله         يلاقي الذى لاقى مجير أم عامر

وفى عام 1311ه / 1894م وصلت أخبار الهزيمة إلى زنجبار ووصل العرب إليها وأسر البلجيك أولاد محمد بن سعيد وبقوا فى أسرهم إلى عام 1321ه / 1903م حيث أطلق سراحهم وسمحوا لهم بالعودة إلى زنجبار ، وبذلك انتهت دولة العرب فى افريقيا الوسطى  .

الأيام الأخيرة : - 

لما وصل حمد إلى زنجبار حسب ثروته فوجدها نيفاً ومائة ألف جنية إلا أن وكيله الذى كان فى زنجبار تحيل عليه وقدم وأخر فى دفاتره فاختلس من تلك الثروة نحو 30000 جنية ، و30000 جنية كانت فى يد هندى أعطيت  إليه للتجارة فذهبت ولم يحصل إلا على 4000 و 7000 جنية أعطاها محمد بن خلفان الذى أدعى الشركة فى ملكه وحكمت له محكمة دار السلام بدفع المبلغ ، والذى بقى عنده اشترى به بيوتاً وبساتين فعاش فى ريعها  .

وفاته : -

فى شهر ذى الحجة سنة 1322ه / 6 فبراير 1905م أصاب حمد بمرض الاستسقاء ثم عوفى منه ولكن صحته بقيت ضعيفة فأشتد به الألم حتى كانت الساعة الخامسة من ليلة الأربعاء عاشر ربيع الثانى 1322ه / 14 يونيو 1905 م قبضه الله إليه ، وما أن شاع الخبر حتى توافدت عليه الجموع إلى منزله وفى مقدمتهم قنصل أمريكا أوفيس ، وقنصل إنجلترا وقنصل الألمان وغيرهما من معتمدى الدول والتجار الأجانب وأعيان العرب والهنود والزنوج لتعزية أهله، ونقل البرق خبر وفاته إلى العالم المتمدن ، فأتت جرائده مملوءة بالكلام عن سيرته   .

 مصدر هذا المقال : -

( 1 ) الأصول التاريخية للعلاقات العربية الإفريقية – الدكتور جمال زكريا قاسم – دار الفكر العربي – مدينة نصر -القاهرة – 1416ه – 1996م.

( 2 ) التأثير العماني فى دول وسط أفريقيا – موسى البوسعيدي – مجلة التفاهم .

( 3 ) حمد تيبو تيب ودوره السياسي فى وسط أفريقيا – الدكتور احمد محمد طنش – جامعة القادسية / كلية الاداب – مجلة القادسية فى الآداب والعلوم التربوية – العددان ( 1-2) المجلد 7 – 2008م

( 4 ) دراسات أفريقية فى التاريخ الحديث والمعاصر – الأستاذ الدكتور رأفت غنيمي الشيخ – الطبعة الأولى 1432ه / 2011م – دار الكلمة للنشر والتوزيع – القاهرة

( 5 ) ما أخفاه التاريخ – قصص منسية لبطولات أسطورية – الدكتور على عبد الظاهر علي – الطبعة الأولى 1438ه – 2017م – دار عالم الثقافة للنشرو التوزيع – القاهرة .

( 6 ) مغامر عماني فى ادغال إفريقيا – حياة حمد بن محمد بن جمعة المرجبي ( 1840 – 1905م ) المعروف بتيبو تيب – ترجمة الدكتور محمد المحروقي – منشورات الجمل كولونيا ألمانيا – بغداد 2006 م – الطبعة الثانية 2006م









تعليقات

إرسال تعليق