تعرف على رائد المسرح العربي - تعرف على حامل لواء إحياء التراث فى المسرح العربي ؟



تعرف على رائد المسرح العربي-أبو خليل القباني الدمشقي



تعرف على رائد المسرح العربي  - تعرف على حامل لواء إحياء التراث فى المسرح العربي ؟




الأديب الشاعر أبو خليل القباني الدمشقي ( 1257- 1320ه / 1841- 1902م )
 هو العالم الأديب والشاعر النجيب الموسيقي الشهير  أبو خليل أحمد بن محمد آغا بن حسين آغا آق بيق     ( عائلة تركية )   ،  من أعلام سوريا رائد المسرح العربي ، وحامل لواء إحياء التراث فى المسرح العربي   

مولده : - 
ولد في مدينة دمشق سنة 1257ه / 1841م لأسرة دمشقية عريقة يتصل نسبها بأكرم آق بيق الذي كان ياور (مستشار) السلطان سليمان القانوني ، وأحد أجداده هو شادي بك آقبيق أحد أفراد عائلة آق بييق التركية المعروفة   ، من مدينة بورصة إلى الجنوب من إسطنبول، والتي هاجر أفراد منها إلى دمشق في القرن الثامن عشر بصفة ضباط في سلك الإنكشارية القبيقول، وحازت على أملاك  في قرية عرطوز ومزارع جونية ، ثم لُقِّب في عهده بالقبَّاني لأنه كان يـملك قبّان في باب الجابية نسبة إلى القبابـين التي كانت بذلك الزمان ملكاً لفريق من العائلات في كل حي من أحياء دمشق  ، وأبو خليل القباني هو عم توفيق القباني  ( 1305-1374ه / 1886-1954م )  من تجار البزورية ووالد الشاعر السوري نزار قباني ( 1342-1419ه / 1923 – 1998 م )   .

نشأته وتعليمه :-

أنشأه أبوه تنشيئة دينية، فحفظ القرآن الكريم، وتلقى العلوم الإسلامية على شيوخ عصره وتعلم القراءة والكتابة، ودرس أصول العبادات وعلوم الدين واللغة والموشحات الدينية في المسجد الأموي وكما أنه تعلم الموسيقى والموشحات الأندلسية وقد اكتسب من الشهرة في فن الموسيقى والغناء، وكما كان فقيها وشاعرا و أديبا بارعا، وكان يكتب الأزجال في شبابه وكان يتردد على كبار الموسيقيين في دمشق، ويحضر في دروس الصوفية وحلقات الدين في التكايا حتى نال لقب الشيخ، وتعلم التواشيح والأغاني الدينية وتلمذ على كبار أساتذة الموسيقى الذين شهدوا له بالاقبال على الدروس وبالتفوق والنبوغ وقد نال شهرةً في فن الموسيقى والغناء ، وصار بين أخدنه كالبدر بين النجوم ، وارتقى ذروة المعارف ، فتحلى من المجد بالتالد والطارف  .

صفاته : - 

كان القبانى رجمه الله أنيساً  وديعاً خلق وسيم ، وطباع أرق من النسيم ، أديباً ذرب اللسان ، لبيباً لم يختلف فى فصاحة ألفاظه اثنان ، يجمع فى شعره الرواية والروية  ، له سماحة وحماسة ، وتدبير وسياسة مع ثبات أقدام ، وقد صيغ من اكسير اللطافة ، وتجسم من روح الظرافة ، كريم الظفر ، ذو المنة إذا قدر ، مقبول الرجاء عند الوزراء والأمراء ، له معرفة تامة ببعض اللغات غير العربية كالفارسية والتركية  ، وكان يجمع فى شعره ونثره بين الإسراع والإحسان والإبداع ، يرضى بعفو الطبع ويقنع بما يخف على السمع  .

القبانى وفكرة  المسرح : - 

كان من عادة القباني أنه يتردد على المقاهي في صباه وخاصة كان يأتي إلى المقهى الكبير بحي العمارة في دمشق القديمة، وكان يستمع من الحكواتية والقصاصين الشعيبين إلى القصص الشعبية والملاحم والسيرالعربية، وكان يشاهد لاعبى الأراجوز ويستمع إلى ملاحم عنترة وأبي زيد الهلالي وسيرة بني هلال والزماني خليفة والظاهر بيبرس ، وبعد أن شاهد أحمد القباني هذه القصص الهزلية الضاحكة أو التاريخية الحماسية وكان معجبا بخيال الظل وبمعركة على حبيب في المقهى الكبير بحي العمارة بدمشق، فأراد أن يقدم مثل هذه القصص أمام الناس ولذلك أظهر رأيه أمام أصدقائه حيث قال:  نحن نشاهد الخيالات المصنوعة من الجلد والتى يحركها ويقوم بجميع أدوارها شخص واحد ، وهذه الأعمال متعبة جداً، وإنه إن دلت فإنما تدل على براعة فائقة، واستعداد عظيم وإرادة قوية وصلبة فإذا كتب أحدنا قصة بخمسة أشخاص أو أكثر ثم أخذنا نتحاور في كل ما من شأنه أن يعود بالفائدة على المجتمع، ويحطم الأدمغة المتحجرة، أليس ذلك أفضل من الخيالات التى يزرع فيها الحياة رجل واحد، ومع مرور الأيام نختار القصص العربية والتاريخية، والإسلامية الطافحة بالتوجيه والموعظة والعبر، والشجاعة والفداء والتضحية، ومن ثم نضيف إليها من يغنى ويطرب ومن يرقص ويبدع ونقيم الحفلات المبدئية في قاعات البيوت الكبيرة ، أراد أن يقدم شخصيات إنسانية حية تنبض بالحياة والحركة وإنه كان تأثر بالفرق الأجنبية التي كانت تأتى إلى باب توما بدمشق وكانت تقدم مسرحيات إجتماعية وأخلاقية في المدرسة العازارية و كان القباني شهد هذه المسرحيات جمعياً، وأخذ فكرة عن المسرح والتمثيل فأسس في دمشق مسرحاً وألف فرقةً ،  وكان القبانى قد تأثر بالمسرح الأجنبى وكما تأثر بمسرح خيال الظل ولذلك نجده يقلد المسرح الأجنبي في تقديم مسرحياته التي ابتدعها، ولكنه لم يعهد إلى اقتباس المسرحيات الأجنبية بل استفاد منها فقط  .

أبو خليل ينشئ مسرحاً فى دمشق : - 

كلف صبحى باشا والى دمشق القبانى بأن يؤلف جوقاً للتمثيل الممزوج بالغناء والترنيل  ،ليرقى بواسطته الأفكار السقيمة إلى مكارم الأخلاق والمبادئ القويمة ، فقام بذلك خير قيام حتى افتخر به الخاص والعام   ، ولذلك يعتبر  أبو خليل أول من أسس مسرحاً عربياً في القرن التاسع عشر في دمشق، وقدم عروض مسرحية وغنائية وتمثيليات عديده منها (ناكر الجميل) و(هارون الرشيد) و(عايده) و(الشاه محمود) و(أنس الجليس) وغيرها  ، حيث قدم أول عرض مسرحي خاص به في دمشق عام 1871م  وهي مسرحية (الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح) ولاقت استحسان الناس وإقبال كبير، وتابع الناس أعمال القباني وعروضه المسرحية وحقق نجاحاً كبيراً، وفي عام 1879م  أسس أبوخليل القباني فرقته المسرحية وقدم في سنواته الأولى حوالي 40 عرضاً مسرحياً وغنائياً وتمثيليات اضطر أبو خليل بالاستعانة بصبية لأداء دور الإناث في البداية  ،  مما استنكر مشايخ الشام ذلك ، فقدموا تقريراً إلى دار الخلاقة فى اسطنبول قالوا فيه ما معناه : إن وجود التمثيل فى البلاد السورية مما تعافه النفوس الأبية ، وتراه على الناس خطباً جليلاً ، ورزءاً ثقيلاً لاستلزامه وجود القيان ينشدون البديع من الألحان بأصوات توقظ أعين اللذات فى أفئدة من حضر من الفتيان والفتيات ، فيمثل على مرأى الناظرين ، ومسمع من المتفرجين أحوال العشاق ، وما يجدونه من اللذة فى طيب الوصل بعد الفراق ، فتطبع فى الذهن سطور الصبابة والجنون ، وتميل بالنفس إلى أنواع الغرام والشجون ....  ، فمُنع من الأستمرار ، ولاقى صعوبات ، وتوقف عن عروضه المسرحية واتجه نحو التجارة بما يسمى مال القبان وعرف بالقبانى ،  ولما تولى دمشق أحد رجال الاصلاح المشهورين من الترك  مدحت باشا فدعاه  إليه وأذن له بالعودة إلى ما كان قد بدأ به   ، وسهل له ذلك متابعة العمل المسرحي ، واشتهر القباني وعرف بعروضه المسرحية الجميلة التي يقدمها وحقق نجاحاً كبيراً واضعاً الأسس للمسرح العربي .

أبو خليل فى مصر : - 

ولما أقصى مدحت باشا عن دمشق  ،  ويئس  أبو خليل من صلاح حال التمثيل فيها واضطرب من حملات الكساد ، كتب إلى صديقه الذي يعيش في الإسكندرية سعد الله حلابه وهو التاجر السوري الأصل، وطلب رأيه لإستيناف نشاطه التمثيلي في مصر في بيئة جديدة فشجعه صديقه هذا على الحضور  ، رحل أبو خليل إلى مصر فى يونية سنة 1884م ومعه جوقة من الممثلين والمنشدين ،وذلك بواسطة نفوذ ومال سعد الله بك حلابه أحد أعيان السوريين فى الأسكندرية ، فكان حدثاً فريداً  حيث استقبلته الصحافة بالأبتهاج الكبير خصوصاً جريدة الأهرام وقام صاحباها اللبنانيان سليم وبشارة تقلا بالترويج لهذه الفرقة ومدحها منذ وصولها ، ربما بدافع الحماسة لفرقة شامية أو بإيعاز من سعد الله حلابه وغيره من الأعيان  ،  فأخذ اسمه من ذلك الحين ينتشر ويدوى فى كل قطر كانما تداول سمع المرء أنملة العشر  ، فبدأ بتمثيل مسرحية أنس الجليس عام 1884م  فى قهوة الدانواب المعروفة بقهوة سليمان بك رحمى ، لتكون أول عرض لفرقته فى مصر وكان عرضا ناجحاً  ، فأزداد شهرة أكثر وتتلمذ على يديه الكثير من رواد المسرح بعذ ذلك ، ومثلت فرقتة العديد من المسرحيات ثم انتقلت إلى القاهرة واستأجرت مسرح البوليتياما  للتمثيل وقدمت العديد  من المسرحيات في الإسكندرية  ، ثم  ما لبث أن عاد إلى دمشق، ثم عاد مرة أخرى  إلى الاسكندرية بفرقته الجديدة ، التى انتقلت منها إلى المنصورة ومثلت فيها فترة من الزمن، وظلت  تتردد بين  الإسكندرية والقاهرة   ، وإقليمي صعيد مصر ( المنيا والفيوم ) عارضة مسرحيات متنوعة   ، فكان مسرحه مورداً عذباً يؤمه الكبراء والشعراء والادباء لمشاهدة رواياته التى جمعت بين جزالة الالفاظ وعذوبتها ، ورقة المعانى ودقتها ، وأهفت نواحيها بالتهذيب ، وطرزت مبانيها بكل فكر غريب ، فشهد له بحسنها الكثير من أئمة البلاغة ، وكما شهد له أكابر الموسيقين وفطاحل الملحنين بما له من بديع التلاحين الرقيقة لاناشيد الطرب الإنيقة  ، أما التمثيل فقد بلغ فيه من الإجادة  ما فوق الإرادة ، يجسم الوهم ويقربه إلى الفهم ، ويلبس المجاز بالحقيقة ، وما تكلف ، وكنا بعد انتهاء كل رواية يلقى ألحانا تشهد له بالمعرفة والدراية ، تنزولها الأكباد ، ويتحرك لحسن وقعها الفؤاد  .

رأى القبانى فى التمثيل : - 

كان القبانى يقول : التمثيل جلاء البصائر ، ومرآة الغابر ، ظاهره ترجمة أحوال وسير ، وباطنه مواعظ وعبر ، وفيه من الحكم البالغة والآيات الدامغة ما يطلق للسان ، ويشجع الجبان ، ويصفى الأذهان ، ويرغب فى اكتساب الفضيلة ، ويفتح للبليد باب الحيلة ، ويرفع لواء الهمم ويحركها إلى مسابقة الأمم ، ويبعث على الحزم والكرم ، ويلطب الطباع ، وهو أقرب وسيلة لتهذيب الأخلاق ومعرفة طرق السياسة ، وذريعة لاجتناء ثمرة الآداب والكياسة  .

مسرحياته : - 

ترك القباني خمس عشرة مسرحية ولم ينشر منها غير ثمان ، ومثلت فرقته كثيرا من المسرحيات المترجمة ، وأما المسرحيات التي ألفها القباني فهي  هارون الرشيد مع الأمير غانم وقوت القلوب وهى أدبية وغرامية خيالية  ، ورواية هارون الرشيد مع انس الجليس ، ورواية الأمير محمود نجل شاه العجم مقتبسات من حكايات ألف ليلة وليلة ، ومسرحية عنترة مقتبسة مما يردده الناس من حكايات شعبية عن البطل والشاعر المعروف ، وهى تاريخية أدبية غرامية حربية تلحينية تشخيصية  ، أما مسرحية عفيفة وهي مقتبسة عن قصة حفيفاف أميرة العفاف التي ترددت في الكتب الدينية وسير القدسيين ، وكان موضوعاً لعدد من المسرحيات والقصص وبعض المسرحيات مؤلفة وبعضها مترجمة ، وموضوعها هو قصة الزوجة العفيفة المحافظة على عهد زوجها وشرفها من صديق زوجها الخائن الذي يحاول النيل منها في غياب زوجها ، ومسرحيته لباب الغرام أو الملك متريدات  وهي رواية أدبية غرامية حربية ، مترجمة بتصرف عن  راسين  صاحب المسرحية المعروفة بهذا الإسم   ، ومسرحيته حيل النساء الشهيرة بلوسيا    ، وكذلك مسرحية ناكر الجميل  .
سافر القبانى إلى العديد من البلدان واقتبس لاحقاً من الأدب الغربي قصصاً عالمية عن (كورنيه، Corneille) الفرنسي وقدم عروضاً مسرحية كثيرة ومسرحيات عالمية  ، حيث سافر إلى إسطنبول وإلى الولايات المتحدة ، وفي سنواته الأخيرة    ، وفى آواخر عمره سافر إلى الآستانة ولا رفيق له غير علمه وفخره ، فأكرم مثواه بعض وزرائها ذوى المروة ، والنخوة ، وأنزله المنزل الرحيب  ، واعتنى به اعتناء المحب للحبيب ، ثم عاد إلى الشام، وقام فى سنواته الأخيرة بتدوين  مذكرات حياته . 

وفاته : - 

توفى أبو خليل القبانى أثر إصابته بمرض الطاعون فى  27 من رمضان عام 1320ه / 27 ديسمبر عام 1902م  ، ودفن فى دمشق    .

مصدر هذا المقال : -

( 1 ) الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين – تأليف خير الدين  الزركلي – دار العلم للملايين – بيروت -لبنان  -الطبعة الخامسة عشرة 2002 م   

 ( 2 ) جهود القبانى المسرحية فى مصر– د . سيد على إسماعيل – منشورات وزارة الثقافة – مديرية المسارح والموسيقا – دمشق 2008 م

( 3 ) دفاتر شامية عتيقة - مذكرات ومرويات ونوادر من تاريخ دمشق – أحمد ابيش – الطبعة الأولى – 1423ه – 2002م – دار قتيبة للطباعة والنشر والتويع – دمشق – سوريا – بيروت – لبنان

( 4 ) موسوعة الأسر الدمشقية – تاريخها ، أنسابها ، أعلامها – الدكتور محمد شريف عدنان الصواف – بيت الحكمة للطباعة والنشر والتوزيع  – الطبعة الثانية 1431ه – 2020م – دمشق – جلبونى – جادة ابن سينا


تعليقات