تعرف على طليعة الشعر العربي «النسوي» في العصر الحديث - عائشة التيمورية
![]() |
هى عائشة عصمت بنت إسماعيل باشا بن محمد كاشف تيمور الكردية أباً ،
الشراكسية أما ، القاهرية ولادة وإقامة ووفاة، وتعتبر
طليعة الشعر العربى النسوى فى
العصر الحديث
المولد والنشأة :
ولدت فى عام 1256ه / 1840 م فى أحد قصور درب سعادة وهو
أحد أحياء الدرب الأحمر حين كانت تلك المنطقة مقرًا للطبقة الارستقراطية
ولعائلاتها العريقة، وهي ابنة إسماعيل باشا تيمور رئيس القلم الإفرنجي فى الديوان
الخديوي في عهد الخديوي إسماعيل (يعدل منصب وزير الخارجية حاليًا) ثم أصبح رئيسًا
عامًا للديوان الخديوي، كان اسم والدتها ماهتاب هانم وهي شركسية تنتمي للطبقة
الارستقراطية، وهي أخت العالم الأديب أحمد تيمور ولكن من أم أخرى هي مهريار هانم
وهي شركسية الأصل، وعمة الكاتب المسرحي محمد تيمور، والكاتب القصصي محمود تيمور .
التعليم فى حياة عائشة التيمورية :
بدأت عائشة التيمورية حياتها بتعلم فن التطريز ، فاستحضرت
لأسرتهاها والدتها أدوات لتعليم هذا الفن ، ولكنها كانت تميل بفطرتها إلى تعلم القراءة
والكتابة ، ولكن كانت والداتها تأبى عليها التفرغ للكتابة والأدب لأن
التفرغ لهما لم يكن محموداً من البنات فى جيلها فكانت تعنفها على تركها التطريز
، وقد عُلم منها الميل للقراءة والكتابة بأقبالها على الكتب والدواوين
وإصغائها إلى نغمات الكُتاب الذين كانوا يترنمون فى بعض نواحى القصر أثناء النقل
والأملاء ، وكلما كانت والدتها تمنعها عن الحضور مع الكُتاب وتجبرها
على تعلم التطريز تزداد هى نفوراً من طلب والدتها ، فلما رأى والدها تلك المحاورات
بينهما تفرس فيها النجابة وقال لوالدتها : دعي هذه الطفلة
للقرطاس والقلم، وأحذري أن تكثري من الكسر في قلب هذه الصغيرة ، وما دامت ابنتنا
ميالة بطبعها إلى المحابر والأوراق، فلا تقفي في سبيل ميلها ورغبتها، وتعالي
نتقاسم بنتينا ، فخذي عفت وأعطيني عصمت، وإذا كان لي من عصمت كاتبة وشاعرة فسيكون
ذلك مجلبة الرحمة لي بعد مماتي ، وأخذ بيد عصمت وخرج بها إلى محفل
الكُتاب ، ورتب لها المعلمين فى اللغة الفارسية
والعربية والمعلمات فى العروض ومنهم الأستاذ إبراهيم أفندى مؤنس وكان
يعلمها القرآن والخط والفقة ، والأستاذ خليل أفندى رجائي وكان يعلمها علم الصرف
واللغة الفارسية ، فأتمت حفظ القرآن الكريم ثم تاقت نفسها إلى مطالعة الكتب
الأدبية ، وفى مقدمتها الدواوين الشعرية ، حتى تربت عندها ملكة التصورات لمعانى
التشبيهات الغزلية وسواها ، ولما أصبحت قريحتها تجود بمعانٍ مبتكرة لم يسبها إليها
سواها ، رأى والدها أن يستحضر لها أساتذة من فضليات السيدات اللاتي ضربن بسهم
وافرٍ فى العروض وقبل إتمام ذلك صار زواجها .
زواج عائشة التيمورية :
تزوجت عائشة التيمورية وهى في الرابعة عشرة من عمرها
سنة 1271ه / 1854 م من محمد توفيق بك نجل محمود بك
الإسلامبولى ابن السيد عبد الله أفندى الإسلامبولي كاتب ديوان همايونى بالأستانة (
ديوان السلطان ) ، فتفرغت للشئون الزوجية وتدبير البيت ، ولا سيما بعدما رزقها
الله بذرية صالحة من بنين وبنات ، فاقتصرت على المطالعة
وإنشاد الأشعار ، وبقيت على ذلك الحال حتى كبرت لها بنت كان اسمها توحيدة ، فألقت
إليها زمام منزلها .
تعلم عائشة التيمورية النحو والعروض :
بعد وفاة والدها سنة 1289ه وزوجها سنة 1292ه وصارت حاكمة
نفسها أحضرت لها معلمتين لهما إلمام بالنحو والعروض
إحداهما تدعى فاطمة الأزهرية والثانية ستيتة الطبلاوية ، وصارت تأخذ عليهما النحو
والعروض حتى برعت وأتقنت بحورها وأحسنت الشعر ، وصارت تنشد القصائد المطولة
والأزجال المنوعة والموشحات البديعة التى لم يسبقها أحد على معانيها ،
وكما أتقنت اللغتين التركية والفارسية، وقد أخذتهما عن والديها ، تولت
عائشة التيمورية تعليم أخيها أحمد تيمور، وكان والدها قد توفى بعد
ميلاده بعامين، فتعهدته بالتربية والتعليم حتى عرف طريقه، وقد صار بعد ذلك واحدا
من رواد النهضة الأدبية في العالم العربي .
موت توحيدة وأثره على عائشة التيمورية :
فقدت عائشة ابنتها توحيدة التي توفيت في سن الثامنة عشر وظلت سبع
سنين ترثيها حتى ضعف بصرها وأصيبت بالرمد فانقطعت عن الشعر والأدب،
وكانت حبيبة إليها فرثتها بعدة قصائد منها "بنتاه يا كبدي ولوعة مهجتي"،
وكان هذا الحادث الأليم عميق الأثر في نفس عائشة حيث ظلت 7 سنوات بعد وفاة ابنتها
في حزن دائم وبكاء لا ينقطع، وأحرقت في ظل الفاجعة أشعارها كلها إلا القليل ، وآخيرا
سمعت لقول الناصحين وخففت من بكائها ونوحها حتى شفاها الله من مرض العيون ، فجمعت
ما عثرت عليه من أشعارها فى ديوان باللغة التركية ، والأخر باللغة
العربية .
شعر عائشة التيمورية :
اقتصرت عائشة التيمورية فى شعرها على أغراضٍ ثلاثة هى المدح ومعظمه
فى الخديوى ، والرثاء وقفته على أنسابها ولا سيما ابنتها توحيدة ، وشقيقتها ،
والغزل وأكثره من الغزل الصوفى ، وقد جمعتهم فى ديوان
باللغة التركية وأسمته " كشوفة " وطبعته فى الآستانة وديوان آخر باللغة
العربية سمته ديوان: «حلية الطراز» - دار الكاتب العربي - القاهرة 1952م
، وفيه مقدمات بقلم قدرية حسين، ومحمود تيمور، وأحمد كمال زاده، وسهير القلماوي،
وبنت الشاطئ - وقصيدة لميّ زيادة ، وديوان: «أشكوفة» - وهو ديوان بالتركية
والفارسية - طبع بمصر والآستانة وإيران، وقد صدرت طبعة حديثة من ديوان حلية الطراز
(دون المقدمات) حققها الباحث محمد أبو المجد - سلسلة ذاكرة الكتابة - الهيئة
العامة لقصور الثقافة - القاهرة 2004 .
ومن شعر عائشة التيمورية فى رثاء بنتها توحيدة قصيدة :
اماه ، قد عز اللقاء وفى
غد سترين
نعشى كالعروس يسير
وسينتهى المسعى إلى اللحد
الذى هو
منزلى وله الجموع تصير
قولى لرب اللحد رفقا
بابنتى جائت
عروساً ساقها التقدير
إلى أن تقول :
اماه! لا تنسى بحق بنوتى قبرى لئلا يحزن المقبور
ثم تقول :
صونى جهاز العرس تذكاراً
فلى قد
كان منه إلى الزفاف سرور
ومن شعر ها القصيدة المعروفة المشهورة التى جاء فى مطلعها :
بيد العفاف أصون عزٌ
حجابي وبعصمتي
أسمو على اترابي
ولها شعر فى التغني بمدح الرسول الأعظم – صلى الله عليه وسلم :
أعن وميض سرى في حندس
الظلم أم
نسمة ٍ هاجت الأشواق من إضم ِ
فَجَدَّدَت لي عَهـــــــــــــداً بِالغَرامِ
مَضى وَشاقَني
نَحــــــــــــــــــــــــو اِحبابي بِذي سِلم
ومنها :
إنى رددت عناني عن غوايته وقلت يا نفس خلي باعث الندم
ولذت بالمصطفى رب الشفاعة
إذ يدعو
المنادى فتحيا الناس من رمم
طه الذى قد كسا إشراق
بعثته وجه
الوجود سناء الرشد والكرم
وجاء فى ختام هذه القصيدة الرائعة :
محمد
المصطفى مشكاة
رحمتنا مصباحُ
حجتنا في بعثة الأمم ِ
يامن
به أقتدي يوم الزحام
إذا أبديتُ
ناصية ً مفحومة َ الوَسم
أقول حين أوافي الحشر في خجل
ٍ إن
الكبائر أنست ذكرة َ اللمم ِ
يا
خيرَ من أرتجي إن لم تكن مددي وازلتي
يوم وضع القسط واندمي
فاشفع بحب الذي أنت الحبيب
له لولاك
ما أبرز الدنيا من العدم
عليك أزكى صلاة الله ما
فتتحتْ أدوارُ
دهرٍ وما دالتْ بمختتم ِ
الأعمال الأخرى لعائشة التيمورية :
مؤلفات عائشة التيمورية :
كانت عائشة التيمورية صاحبة نثر جيد وإن كان يجرى على سنن عصرها فى الكتابة من حيث السجع ومحاكمة أسلوب المقامات ، وقد ألفت كتاب نتائج الأحوال فى الأقوال والأفعال ، ضمنته قصصاً وحكايات فى أحوال الناس ، مستعينة فيه بما قرأته فى التاريخ وما سمعته من حكمة العجائز وما قر فى ذهنها من تجاربها فى الحياة ، طبع هذا الكتاب في مصر، وتونس - الطبعة المصرية: المطبعة البهية 1888م .
وكتاب أخرى باسم مرآة التأمل في الأمور، عالجت فيه بعض الموضوعات الإجتماعية بأسلوب قصصى ، دعت فيه الرجال إلى الأخذ بحقهم من الزعامة والقوامة على المرأة دون تفريط في واجبهم نحو المرأة من الرعاية والتكريم ، وطبع فى مطبعة المحروسة - مصر 1310هـ/1892م ، لديها رواية بعنوان اللقا بعد الشتات وتركت رواية أخرى غير مكتملة بخط يدها .
مقالات عائشة التيمورية :
نشرت عائشة التيمورية مقالاً فى جريدة المؤيد بعنوان
لاتصلح العائلات إلا بتربية البنات ، وجهت فيه اللوم إلى المراة على مبالغتها فى
الزينة دون الأنتباه إلى واجباتها ، وهى ترى فى ذلك مبعث الخلل
والفساد ، وكذلك نشرت في جريدة الآداب والمؤيد عددا من المقالات عارضت
فيها آراء قاسم أمين ودعوته إلى السفور ، وكانت عائشة أسبق في الدعوة إلى تحسين
أحوال المرأة والنهوض بها من قاسم أمين، ومهدت السبيل في مجال المقالة الاجتماعية
لباحثة البادية ، ودعت إلى مشاركة المرأة للرجل فى الأعمال وألقت
المسئولية فى تأخرها على الرجل وقالت : فعلام ترفعون أكف الحيرة عند
الحاجة كالضال المعنى ، وقد سخرتم بأمرهن ، وازدويتم باشتراكهن معكم فى الأعمال ،
واستحسنتم انفرادكم فى كل معنى ؟ فانظروا عائد اللوم على من يعود .
قالوا عن عائشة التيمورية :
قال عنها علاء الدين الآلوسي : هى أديبة فاضلة حكيمة عاقلة ، بارعة باهرة ، شاعرة ناثرة ، رضعت أقاويق الأدب وهى فى مهد الطفولية ، وتحلت بحلى لغات العرب قبل تضلعها باللغات التركية ، وفاقت على أقرانها فصاحة عند بلوغها سن الرشاد ، وصارت ندرة زمانها بين أهل الإنشاء والإنشاد ، ولم تدع لولادة مقالاً ، ولم تترك للأخيلية مجالاً ، وقد احسنت الخنساء وأنستها صخراً ، وسارت فى مضمار أدباء هذا العصر .
قال عنه عباس العقاد : لقد درست عائشة من الفنون خير ما كان يدرسه أبناء ذلك الجيل ، وضارعت فى النظم أحسن من نظموا فيه ، فإذا استثنينا البارةدى أولا ، والساعاتى ثانياً فشعر السيدة عائشة يعلو إلى أرفع طبقة من الشعر ارتفع إليها أدباء مصر فى أواسط القرن التاسع عشر إلى عهد الثورة العرابية .
وقال عنه عباس العقاد : لقد كانت السيدة عائشة التيمورية تمثل جانباً من الحياة المصرية فى
القرن التاسع عشر هو جانب الخدر التركى المصرى أو المتمصر ، وهى إذا كانت لم تصفه
كل الوصف فحسبها من وصفه وتمثيله أنها لم تكتب شيئاً يخرج بها عن نطاق البيئة ، ولم
يكن شعورها حتى فى أبان الثورة العرابية ، وحتى بعد نفى زعمائها إلا
كشعور البيئة التى عاشت فيها ، فكانت تقول عن زعماء الثورة بعد نفيهم والتنكيل بهم :
ظلموا نفوسهم بخدعة مكرهم والمكر يصمى أهله ويحيق
فرقت شمل جموعهم فمكانهم فى الابتعاد وفى الوبال
سحيق
ونحسب أنها لو لم تكن
فريدة فى طرازها لأنها الشاعرة الوحيدة بين بنات جيلها ، لكانت فريدة
فى تمثيل البيئة التركية المصرية التى لم ينقطع لها الرجال لإختلاطهم بعامة الشعب
وخاصته ، ولو كان لهم من الترك نسب قريب .
وفاة عائشة التيمورية :
في سنة 1316ه / 1898م أصيبت عائشة
التيمورية بمرض في المخ واستمر المرض أربع سنوات حتى توفيت
يوم الأحد 17 من شهر صفر 1320ه / يونيو سنة 1902م .
مصدر هذا المقال : -
( 1 ) أعظم الأحداث المعاصرة ( 1900 – 2014م ) تأليف
الدكتور فؤاد صالح السيد – الناشر مكتبة حسن العصرية – بيروت – لبنان الطبعة الأولى 1436ه / 2015م .
( 2
) الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين – تأليف
خير الدين الزركلي – دار العلم للملايين –
بيروت -لبنان -الطبعة الخامسة عشرة 2002 م .
( 3 ) تاريخ الأسرة التيمورية – تأليف أحمد تيمور
باشا – الناشر مؤسسة هنداوي سي آي سي – المملكة المتحدة .
( 4
) الدر المنثور فى طبقات ربات الخدود – تأليف زينب فواز – مؤسسة هنداوى للتعليم والثقافة
– مدينة نصر القاهرة .
( 5 ) شعراء مصر وبيئاتهم فى الجيل الماضى – عباس
محمود العقاد - مطبعة حجازى بالقاهرة –
1355ه / 1937 م .
( 6 ) عائشة التيمورية في ذكراها – بقلم عباس خضر – مجلة
المجلة – العدد 64 – تاريخ الأصدار 1 مايو 1962م - https://archive.alsharekh.org/Articles/36/1365/72524/3
تعليقات
إرسال تعليق