السلطان العثمانى مراد الخامس ( 1256 – 1322 ه / 1840 – 1904م)
السلطان-الماسونية-ولى العهد-مصدر-كرسي-المشاركة-الإقامة
![]() |
السلطان-الماسونية-ولى العهد-مصدر-كرسي-المشاركة-الإقامة |
السلطان العثمانى مراد الخامس ( 1256 – 1322 ه / 1840 – 1904م)
السلطان-الماسونية-ولى العهد-مصدر-كرسي-المشاركة-الإقامةهو مراد الخامس بن عبد المجيد الأول بن محمود الثاني بن عبد الحميد الأول بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغل ، وهو السلطان الثالث والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية .
مولده ونشأته : -
ولد السلطان
مراد الخامس فى 25 رجب 1256ه/ 22 سبتمبر
1840م،وأمه شوق أفزا قادن أفندى ، وكان اسمه عند ولادته محمد مراد ، وهو الأبن الكبير للسلطان عبد المجيد الأول ،
وأول الحفداء الذكور لمحمود الثاني،وعيّن له السلطان عبد المجيد الأول فريقًا بارزًا من كبار أساتذة الدولة لتعليمه، فتلقى من
الأستاذ فريد أفندى دروس اللسان التركي،وفنون البلاغة والخطابة فى التركية،والشيخ حافظ أفندي الحديث،ومن عمر خلوصي أفندى صحيح
البخارى الشريف،أدهم باشا والذي تولى الصدارة
العظمى لاحقًا أستاذه في اللغة الفرنسية،إلى جانب ميل مراد نحو الكتابة والتأليف بها
،وكان له ميل أيضًا نحو الشعر والموسيقى التي تعلمها على يد غواتلي ولومباردي بك وكلاهما
إيطاليان،وأخذ دروساً من بير جوزيف أحد رهبان كابوتشين الذى عاش فى إسطنبول منذ صغره .
وكان هو والأمير
عبد الحميد أخيه قد خصص لهما حجرة أسفل حجرة نوم السلطان عبد المجيد ،فكان عندما تعلو أصواتهم بالصياح والضجيج يضرب عليهم السلطان عبد المجيد سقف الحجرة فيهدأوا،
ويعودون إلى مواصلة الدرس،وكان يدعوهما كل يوم جمعة إلى مجلسه قبل إقامة المراسم لتحية فينصحهما .
وخلال مرحلة
شبابه اهتمّ بالعمارة والبناء إلى جانب اهتمامه بالأدبين الفرنسي والتركي والموسيقى،
وأنفق مبالغ طائلة في بناء القصور، سيّما قصره في كوربغه لي دره، الذي هدمه وأعاد بناءه
عدة مرات.
وصفه وصفاته : -
كان السلطان
مراد حنطي البشرة،وعيناه زرقاوان داكنتان،وهو وسيم الطلعة جداً، ومحبب، وشديد اللباقة والتهذيب .
كان السلطان
مراد على جانب كبير من الذكاء والثقافة التركية
والغربية،متعلماً مهذباً ميالاً للإصلاح
مستنيراً،محباً للمساواة بين جميع أصناف رعيته ، مقتصداً
فى مصرفه غير ميال للسرف والترف ،طيب القلب، وكان من طبيعته أن ينخدع لمن يبتسمون فى وجهه دون أن يفكر فى المعقول وغير المعقول،حتى أنه بسبب ذلك لم يكن يخطر على باله عدم لياقه اشتراكه وهو خليفة المستقبل فى
المحفل الماسوني،وتقدير المصيبة التى ستنجم عن ذلك،وقد استطاع بعض الأشخاص ممن
يدعون أنهم أنصار التجديد أن يحرضوه على إدمان الخمر،وزينوا له جوانب يستخف بها فى
الحياة الأوربية .
كان مراد شغوفاً بالموسيقى الإفرنجية والعزف على البيانو والكمان ، وألف الكثير من المقطوعات
الموسيقية الغربية والتى بلغت ثلاثة مجلدات ، وأمضى سنوات عمره فى الموسيقى وهذا ما سلاه فى فتره الأقامة الجبرية فى قصر تشراغان ،وله عدة مقطوعات على البيانو من تلحينه احتفظ
بها غواتلي باشا ولكنها لم تنشر،يوصف السلطان مراد عمومًا أنه "رجل رومانسي"
وبحسب بعض الشهادات أنه كان يصاب "بذهول وكآبة يستسلم فيها ساعات من الزمن إلى
الحزن والتفكير".
أهتم مراد
الخامس بالنجارة تحت تأثير والده،وإن لم يكن اهتمامه بدرجة اهتمام أخيه عبد الحميد، وكان هاوياً للعمارة التى لم تُر كثيراً وحتى أنه أنشأ لنفسه قصر صيد فى وادى قربغالي
فى قاضى كوي ، وكان يحب الرسم وهناك مسودات
لرسوم سريعة تثبت هذا .
أبدى السلطان
مراد اهتماماً بالأدب والعلوم فكان يحب المطالعة،واهتم بالتاريخ والفلسفة، وقرب
إليه أدباء عصره والعثمانيين الجدد،فكان نامق كمال أقرب صديق له، وكان ميالاً إلى الدستور والليبرالية والعلمانية .زوجاته وأبناؤه وبناته-:
زوجاته : - الرو موهبة ( السيدة الأولى ) ، وفتار
دل ( السيدة الثانية ) ، شايان السيدة الثالثة ، ميل ثروت ( السيدة الرابعة ) .
المحظيات : - رسان ( المحظية الأولى ) ، جوهر ريز ( المحظية الثانية ) ، نودر ( المحظية الثالثة ) ، فلز تن ، رمش ناز .
المفضلات :- وصال نور .
أبناؤه : - سليمان أفندى ، وسيف الدين أفندى ، ومحمد صلاح الدين أفندي .
بناته : - خديجة سلطان ، وفهيمة سلطان ، وفاطمة سلطان ، وعلية سلطان .
الأمير مراد ولياً العهد : -

كان السلطان
مراد ولى عهد ثانياً ، طيلة مدة سلطنة والده عبد المجيد وفور ولادته ، وولي عمد السلطنة طيلة مدة
سلطنة عمه عبد العزيز التى دامت 15 عاما ، وكانت أهم الأحداث
فى فترة ولاية العهد :
رحلة مراد إلى مصر وأوروبا : -
قام السلطان
عبد العزيز بزياة أوروبا يرافقه وفد عثمانى رفيع المستوى ، وكان من ضمنه الأمير مراد،الذى لم يلتزم الاستقامة على خلاف ماعرف عن سلاطين العثمانيين فجلب إليه أنظار الأوربيين
أثناء رحلته ، ونشات بينه وبين ادوارد أمير كالر صداقة صحيحة،ولقد كُلف فى فرنسا بعض الضباط الفرنسيين الشبان
بمصاحبة الأميرين العثمانين مراد وعبد الحميد،وتسابق هؤلاء الضباط على سوق الأميرين الشابين إلى أماكن اللهو والعربدة وحياة الليل فى باريس،رفض ذلك عبد الحميد تماماً، ولكن مراد انخرط معهم مما أدى إلى سقوطه من نظر السلطان عبد العزيز بتصرفاته الطائشة
غير اللائقة بمكانته والتى أظهرها فى إنجلترا وفرنسا .
التقى الوفد
العثماني فى هذه الرحلة بمشاهير العصر سياسياً : نابليون الثالث فى فرنسا،والملكة
فيكتوريا فى إنجلترا ، وليوبولد الثاني فى بلجيكا،وغليوم الأول فى ألمانيا ، وفرانسوا
جوزيف فى النمسا .
انضمام مراد للماسونية وجماعة تركيا الفتاة : -
كانت لمراد
الخامس صلات طيبة بالدوائر الحاكمة فى أوروبا ، فقد كان صديقاً حميماُ لولي عهد إنجلترا
إذاك ، وعن طريقه انضم إلى الماسونية ، وزوده برسالة لاستاذ المحفل الماسونى ( اسكوج )
فى استانبول يوصى بقبوله فى محفل المشرق الأعظم الإنجليزى ، وقيل أنه أصبح ماسونياً أثناء زيارته مع السلطان عبد العزير لمصر ، وقيل
فى إسطنبول فى بيت لويس أميابل أحد أعضاء محفل برودوس الأول فى 20 تشرين الأول
1872م،وبعد ضمه إلى عصبة المتآمرين أخذ يحضر الإجتماعات السرية معهم فى بيت مدام
فلوري ،وأصبح مراد الخامس عضوا فى المحفل
الماسوني لاعتقاده أن سياسة الدولة يمكن أن تستفيد من الماسونية ،ولكن يبدو أن مراد
الخامس كان يعتبر المحفل الماسوني نادياً رياضياً من دون أن يعلم حقيقة هذه الجمعية
السرية .
وكان على
صلة قوية بأعضاء جماعة تركيا الفتاة التى أخذت أسماء مختلفة خلال تطورها مثل العثمانيون
الجدد والاتحاد والترقي ، ومنهم نامق كمال وضياء باشا الذى ارتبط بهم بعلاقات وثيقة
فكانت ليالى المتعة – بصفة خاصة - يقضيها مع
نامق كمال ، وقد حذر عبد الحميد نامق كمال – الذى وصفه بأنه رأس الفساد – من مغبة هذا
الأمر قائلاً : أعلم يا كمال بك بأنك ستتسبب فى موت أخي معنوياً وعقلياً ، كما قدم
عبد الحميد النصح لأخيه مراراً وتكراراً قائلاً له : ستفقد صحتك يا أخي ، وسوف تندم
على ذلك أشد الندم .
وفى أحد المواقف
تجمع شباب العثمانيين بعد مغادرة المسرح حيث كانوا يشاهدون به مسرحية نامق كمال وهى الوطن،وأمام منزل نامق كمال احتجاجواً ورفعوا شعارات استخدموا فيها التورية من قبيل ، ما
هو مرادك ؟ ( للإشارة إلى اسم الأمير مراد ، وكلمة مراد أى رغبة ) ، وأخرى تقول ما
هو مرادك ؟ عسى الله أن يعطيك مرادك ؟ فى إشارة إلى مناصرتهم لمراد الخامس .
المشاركة فى الإنقلاب على السلطان عبد العزيز : -
أردت الماسونية
خلع السلطان عبد العزيز ولضمان نجاح عملية الخلع عمل المتآمرون الكبار على ضم كبار الشخصيات العثمانية ومنهم ولى العهد الأمير
مراد ،وكان ولى العهد مراد لديه رغبة شديدة
فى أن يصبح سلطاناً حيث تلقى قسطاً كبيراً من التعليم خلال سنوات إمارته ،وكان يسعى لتطوير البلاد على الطريقة الأوربية
العلمانيةوالتخلص من نظام الحكم الإسلامى ، وكان يجد فى عمه عقبة أمام تطلعاته، فشارك فى الإنقلاب على عمه فقد كان علم بتاريخ
الإنقلاب ، ولكن جماعة الإنقلاب اضطرت إلى تقديم الموعد يوماً واحدا نتيجة لظروف قاهرة،دون أن تستطيع إعلامه بهذا التغيير ، لذا فإنه عندما حانت ساعة الصفر ووقع الإنقلاب، وجاء إليه سليمان باشا وزير المدارس العسكرية فى الفجر ليخبره بنجاح الإنقلاب،فإنه
ارتعب رعباً كبيراً إذ حسب أن أمر الإنقلاب قد انكشف وأن الباشا لم يأت إلا لاقتياده
للسلطان عبد العزيز ليقتله ، وقد شرع لشدة خوفه يتوسل إلى الوزير أن يبقي على حياته
، وقد اضطر الوزير أزاء هذه الحالة أن يخرج مسدسيه فوضعهما بين يدى مراد قائلاً له
: يا صاحب الجلالة،إذا كان عندك أى شك فى سلامتك فباستطاعتك أن ترميني بالرصاص فوراً
، ثم قاده الوزير وهو لا يزال مرتجفاً إلى مركب كان واقفاً فى الانتظار،وقد أدى رعبه الشديد فى تلك الليلة إضافة إلى ضعف أعصابه لكونه مدمناً على الخمر إلى بدء
ظهور اختلاله العقلى .
وهناك وثيقة تاريخية يقدمها السفير الإنجليزى سير هنرى أليوت عن جنون السلطان مراد إذ يقول
: - كان السلطان مراد رجلاً وجلاً وغير متزن ، كان يشرب الخمر كثيراً ، وقد قلل من
تناول الكحول لفترة من الوقت ، ولكنه فى الأيام التى سبقت خلع السلطان عبد العزيز ترك
نفسه تماماً للشراب لأنه كان فى رعب كبير وخوف شديد من افتضاح أمر المؤامرة مما كان
يعنى أن رؤوسهم ستقطع لا محالة،كان منكباً على شراب الشمبانيا والكونياك كمن فقد
رشده،وعندما علم بانتحار السلطان عبد العزيز ارتج من أعماقه وفقد عقله تماماً .
الأمير مراد على كرسي السلطنة : -
ارتقى السلطان
مراد الخامس كرسي الخلافة فى 7 جمادى الأولى 1293ه / 30 مايو 1876م ، وعمره 36 عاماً،وأطلقت المدافع فى البر والبحر إيذاناً بخلع السلطان
عبد العزيز وتنصيب السلطان مراد الخامس ،ونادى المنادون بذلك فى الشوارع فهرع الأهالي
أفواجاُ إلى سراى السر عسكر وبايعوا السلطان مراد ولم يحصل أدني مقاومة من أحد،ولم
تحتج إحد من الدول على ذلك وهذا يدل على أن جميع القناصل كان عندهم علم بما حصل قبل
وقوعه وأنه ربما كان ذلك بإتفاقهم ، وذهب السلطان مراد فى عربة بين صفوف الأهالي إلى
سراي بشكطاش حيث استمرت المبايعة ثلاثة أيام متوالية ، ولم تجرى له مراسم تقلد السيف،حتى أنه لم يتم
تنصيبه على عرش أجداده التاريخي كما كانت تجري العادة فى مراسم بيعة السلاطين،وكان أعضاء جماعة تركيا الفتاة يأملون فى مراد دفع عجلة سير الدولة على درب أوروبا فقد كانت ثقافته وكل انتماءاته فكراً وسلوكاً
أوروبية ، وجاؤوا به إلى الحكم ،ظنا منهم
أنه لن يكون حجر عثرة فى طريقهم ، وأنه سيعلن المشروطية .
لما تولى
السلطان مراد الحكم أرسل فرمان فى 16 جمادى الأولى سنة 1293ه / 9 يونيو 1879م إلى الباب
العالي بإبقاء الوزراء وجميع المأمورين فى وظائفهم وبين فيه خطة الإصلاح الذى يريد
إجراؤه وهى :-
( 1 ) إجراء
الأحكام الشرعية وتقييد إدارة الدولة العمومية بقوانين قوية موافقة لنفس الأمر ولقابلية
الأهالى .
( 2 ) تجديد
تنظيم نظامات وإدارات شورى الدولة والأحكام العدلية والمعارف العمومية وأمور المالية
وسائر المأموريات .
( 3 ) إدخال
المعاملات المالية تحت التأمين أى أنها تربط بقاعدة وثيقة وتوضع تحت نظارة قويمة تمنح
العموم تأميناً على عدم وقوع مصروف خارج عن الميزانية ، وإعانة لهذا التدبير قد نزل
من تخصصيات الخرينة الخاصة ستين الف كيس،وترك إلى خزينة المالية إدارة معدن الفحم
فى أركلي وسائر المعادن وبعض المعامل وحاصلاتها بأجمعها .
( 4 ) استمرار
كافة المعاهدات مع الدول المتحابة مرعية الإجراء مع التأكيد على الحب والموالاة و المصافاة فيما بين الدولة العلية وجميع الدول .
أهم الحوادث فى عهد السلطان مراد الخامس -:
مقتل السلطان عبد العزيز : -
تضاربت الروايات
حول موت السلطان عبد العزيز فمنهم من قال أنه قد انتحر ومنهم من جزم بأنه قتل ، وسوف
نعرض الروايتان معاً ، الرواية الأولى فإن السلطان قطع بمقص طلبه لتشذيب لحيته عروق
يده اليمنى واليسرى فنزف الدم لمدة لا تقل عن عشرين دقيقة أدت لوفاته ، وأما الرواية الثانية
تقول أن حسين عونى باشا ورديف باشا تخوفا من عودة السلطان المخلوع ، فأرسلا أربع رجال
إلى القصر،وهو نائم فثبتوه فى مكانه،ثم قام أحدهم بأخذ مقص كان بالقرب منه وقطع
عروق السلطان ، ثم اتهم مدحت باشا خلال عهد عبد الحميد الثانى بذلك .
وتلقى السلطان
مراد الأنباء فى اليوم الخامس من توليه منصب
السلطنة خلال تناوله إفطاره بالعثور على السلطان
السابق عبد العزيز قتيلاً فى غرفته بقصر فرعية ، فأغشي على السلطان وهو مصدوم ،وكانت لهذه الحادثة أثر كبير على السلطان مراد
سواء أكان هو مشتركاً فى قتل عمه أم جماعة الإنقلاب هى التى قامت بهذا دون علمه وهو
الأرجح ، فقد هزته كثيراً ، وكان كثيراً ما يقول لمن حوله فى أسف : سيظن الناس أنني
أنا الذى قتلته ، وكانت والدته تقول له : ماذا سيكون حالنا ، انظر فقد قتلوا عمك أيضا ،و كان يصرخ أمام الوفود الأجنبية بأنه هو من قتل
عمه السلطان عبد العزيز، وقد ساق المؤرخين عدة أدلة تدل على أن السلطان عبد العزير
قد قتل ولم ينتحر ومنها :-
( 1 ) السلطان
عبد العزيز لم يكن لديه اختلال فى قواه العقلية كما أدعوا،والدليل على ذلك ما كتبه
السلطان عبد العزيز إلى السلطان مراد قبل وفاته بيوم واحد يطلب منه الانتقال من طوبقبو
فإنه لا يؤخذ من عبارته أن به أقل اضطرب عقلي وإليك صورة هذه الكتابة : بعد اتكالي
على الله تعالى وجهت اتكالي عليك فأهنئك بجلوسك على تخت السلطنة وأبين لك ما بي من
الأسف على أني لم أقدر على أن أخدم الأمة حسب مرادها فأؤمل أنك أنت تبلغ هذا الأرب
وأنك لا تنسى أني تشبثت بالوسائل الفعالة لصيانة المملكة وحفظ شرفها وأوصيك بأن تتذكر
أن من صيرني إلى هذه الحالة هم العساكر الذين سلحتهم أنا بيدي،وحيث كان من دأبي دائماً
الرفق بالمظلومين وشملهم بالمعروف الذى تقتضيه الإنسانية، أرغب إليك أن تنقذني من هذا
المكان الضيق المعنَّى الذى صرت إليه وتعين لي محلاً أكثر ملاءمة لي،وأهنئك بأن الملك
انتقل إلى ذرية أخى عبد المجيد خان . الإمضاء عبد العزيز .
( 2 ) استدعاء
الوزراء لأطباء القناصل يدل أيضاً على أنهم كانوا معتقدين أن الأمة لا تصدق قولهم بأنه
قتل نفسه فعمدوا إلى تقوية قولهم بهذا الكشف الطبي الموقع عليه أطباء السفارات، مما
يعتبر إقراراً من الدول وتصديقاً لروايتهم ،وهل من المعقول أن يجمع كافة الأطباء
المختارين لتوقيع صك شهادة طبية مزورة دون أن يقدم أحد فيهم على إبداء رأى مخالف بما
فيهم الأطباء الأجانب إلا إذا كان الأمرمبيتاً .
( 3 ) كان
السلطان مراد يتأمل مقتل عمه ويقول فى نفسه : لقد قطع عمي بيمينه شرايين ساعده الأيسر،فكيف يمكن له أن يقطع شرايين ساعده الأيمن بيده اليسرى المقطوعة الشرايين !!، فأصيب
باضطراب عقلي بعدما علم بتفاصيل مؤامرة خلع عمه من الحكم وقتله .
( 4 ) عندما
وصل وزير الحربية حسين عوني باشا إلى مكان الحادثة كان السلطان عبد العزيز لا يزال
حيا وينزف دماً،ولم يقدم عونى باشا على أى إجراء لمنع النزيف وإسعافه بل وأمر أن
ينقل السلطان الجريح من القصر إلى مركز الشرطة،حيث توفى هناك ولا يوجد أى مبرر منطقى
لعلمية النقل .
( 5 ) يقول
السلطان عبد الحميد فى مذاكرته : إنى مقنع الآن بأن عمى عبد العزيز لم يمت منتحراً ،
بل مات مقتولاً ، فتقرير الطبيب الشرعى مرن جداً،ويمكن مناقشته بواسطة أكبر علماء
الطب فى العالم،كيف يستطيع منتحراً أن يقطع شرايين ذراعيه الاثنتين ؟ لقد لفت هذا
انتباه الأطباء فى ذلك الوقت،بل وتناول الأدباء فى كتبهم سطور تثير الانتباه فى
كتاب أس الانقلاب للمرحوم أحمد مدحت أفندي،ونشر قبل محاكمة مدحت باشا بنحو أربع
سنوات وأدانته،وأحمد أفندى هذا لم يكن عدواً لمدحت باشا،بل كان من رجاله .
( 6 ) جاء
فى شهادة الأئمة الذين قاموا بغسل السلطان أن هناك آثار على جثته تدل على مقاومته للقتلة،حيث لاحظوا أن اثنين من أسنانه مكسور إضافة إلى وجود بقعة زرقاء كبيرة تحت حلمته
اليسرى .
حادثة حسن الجركسى : -
بعد مقتل
السلطان السابق عبد العزيز قام حسن بك الجركسي بدخول دار مدحت باشا والوزراء مجتمعون
فيها،وقتل السرعسكر وراشد باشا ناظر الخارجية ووالى سوريا،وأحمد آغا الخادم ، وجرح
ناظر البحرية وبعض الياورية الحاضرين .
مرض السلطان مراد : -
ترك هذه الأحداث
أثرها الحزين والعميق فى السلطان مراد الخامس الذى كان مريضاً أصلاً ، وعندما زاره
أشقاؤه كشف لهم عن سوء حالته الصحية،وشكا لهم من شعوره بآلام صداع عنيفة بدأ يعانى
منها مؤخراً،واظهرت الطريقة التى تصرف بها فى أول صلاة جمعة له أنه قد فقد وعيه،حتى لم
يتمكن من تمييز الوزراء عن بعضهم،وحاول الصدر الأعظم إخفاء هذا الأمر عن العموم،ولم يقم بمقابلة قناصل الدول ليقدموا إليه
أوراق تجديد تعيينهم لدى حكومته، وبناء على
نصحية الأطباء تم نقله إلى قصر يلدز بإسطنبول، وفى إحدى المرات ألقى بنفسه فى حوض السباحة فى لحظة جنون،وأصبح من الواضح أنه فقد قدرته العقلية ، وفى
يوم عودته من أحد المراسم حطم زجاج نافذة في القصر وحاول قتل نفسه،وتوقف عن حضور
صلاة الجمعة ، وكما توقف عن الالتقاء بأى شخص،والذى زاد من مرضه العلاج الخاطئ الذى عالجه به طبيبه الخاص الدكتور كابوليون
إذ أوصى بوضع ست وثلاثين علقاً على جبهته ومؤخرة رأسه لعلق الدم الفاسد منه على زعمه،مما أدى إلى زيادة إرهاق أعصابه،وزيادة حساسيتها إذ أصبح لا يقوى على سماع أى صوت،وأخيراً لما اشتد عليه الحال استدعى الوزراء الطيب
ليدس دورف النمساوى الشهير بمداواة الأمراض العقلية فحضر،وبعد أن فحص السلطان ولازمه
عدة أيام متفرساً كل ما يبدو منه من الأقوال والإشارات واستعلم عن عادته وكيفية معيشته
قال بتعسر برئه من هذا المرض .
عزل السلطان مراد : -
حاولت الحكومة التغطية على الحقيقة
، ولكن الحديث انتشر بين الناس بأن السلطان قد جُن، وانتقد الشعب الصدر الأعظم رشدى
باشا لمحاولته حكم الدولة العثمانية فى غياب السلطان، فتشاور الوزراء فى الأمر ثم عرضوا على أخيه عبد
الحميد أفندى أن تسلم إليه مقاليد الأحكام حيث حكم الأطباء بعدم لياقة أخيه مراد لإدارة
مهامها ، فأجابهم أن الأولى عدم التسرع فى الأمور ربما يمن الله عليه بالشفاء ويعود
إلى ما كان عليه من شدة الذكاء وتوقد الذهن،فامتثل الوزراء لذلك،ولكن لم يلبث مدحت باشا وزملاؤه الوزراء أن اكتشفوا
أن مراد ليس بالرجل الذى بوسعه تصريف أمور الدولة،فاجتمعوا فى يوم الأربعاء 10 شعبان 1293ه / 31 أغسطس 1876م وقرروا عزله ومبايعة
الأمير عبد الحميد،وأرسلوا رقيماً لوالدة السلطان مراد يخبرونها بذلك فأجابت باستحسان ما قرروه،وفى صباح يوم الخميس اجتمع الوزراء ثانية واستدعوا شيخ الإسلام، وحصلوا من شيخ الإسلام على فتوى تبيح عزل السلطان
مراد الخامس على أساس اختلال قواه العقلية وكان نص الفتوى : إذا جنَّ إمام المسلمين
جنوناً مطبقاً ففات المقصود من الإمامة فهل يصح حل الإمامة من عهدته؟ الجواب : يصح
والله أعلم،كتبه الفقير حسن خير الله عفي عنه .
كانت مدة
حكم السلطان مراد 93 يوماً على العرش عاش غالبيتها فى حالة جنون لم يُر له أثر فى التاريخ
العثمانى ، واشتهر هذا البيت الذى قيل عنه عند موته : -
جلس فى الثالثة
والتسعين وبعددها أياماً
وهاجر مراد إلى عزلته دون مراد
الإقامة الجبرية للسلطان مراد فى قصر تشراغان : -
أجبر السلطان
مراد على الأقامة الجبرية فى قصر تشراغان لمدة 28 عاماً،وبسبب الدعاية المتواصلة التى قام بها المحفل
الماسوني وعدد من الجماعات المعارضة ، والتى زعمت أن السلطان السابق مراد كان بصحة جيدة،وأنه عانى من الظلم والفساد،فقام السلطان عبد الحميد الثانى بعرض شقيقة مراد الخامس
على لجنة طبية تضم أطباء أتراكاً وأجانب،وأكدت اللجنة أن السلطان السابق مازال يعاني
من خلل عقلي،وأن علاجه ليس ممكنا،وتجرأت جماعات المعارضة ومن بينهم الماسونيون
على القيام باختطاف السلطان مراد ثلاث مرات،وكانوا فى كل مرة يُقبض عليهم ويتعرضون
للعقاب،وكانت تمثل هذه المحاولات إزعاجاً أكبر لمراد الخامس وأسرته،فاضطر أن يعيش
حياة السجين خلال السنوات الثمانى والعشرين الباقية من حياته، حيث كان يتعين إبقاؤه
تحت مراقبة مشددة لحمايته من الخاطفي .
وفاته : -
توفى السلطان
مراد الخامس بعدما أصيب بمرض السكرى فى 29 أغسطس عام 1904 م ودفن فى مقبرة تحمل اسمه
فى مسجد يَنِي ( المسجد الجديد ) بإسطنبول .
لما سمع السلطان
عبد الحميد خبر وفأة أخيه الأكبر السلطان مراد حزن كثيراً ، وبكى بدموع غزيرة ، وقال
: مما يؤسفني أنني لم أر أخي ولو مرة واحدةً بعد خلعه عن العرش ، وكنت أتمنى أن يعيش
طليقاً،إلا أن ذلك لم يكن يسيراً،وخاصة بعد حادثة على سعاوي،إذ وجدت نفسي مرغماً
لأن أكون يقظاً كل اليقظة،وفتحت هذه الحادثة عيني ،ولو أني كنت تركت أخي طليقاً لما نعم هو بالراحة
ولا نعمت أنا .
ولما شاع
خبر موت السلطان مراد فى السراى أرسل السلطان عبد الحميد المصاحبين إلى بناته الأميرات
: خديجة وفهيمة وفاطمة ، فنقلوا إليهم تعازيه فى والدهن،وأعلن الحداد فى السراى خمسة
عشر يوماً ، لم تعزف خلالها موسيقى النوبة أو غيرها ، واحتضن السلطان عبد الحميد بنات
السلطان مراد الثلاثة،وخصهن بحمايته،وعاملهن معاملة بناته،وجهزهن على أحسن ما
يكون ، وتقرر أن يزوجهن ولكن أعلان الدستور حال بين ذلك .
مصدر هذا المقال :-
اسباب الانقلاب
العثماني وتركيا الفتاة – تأليف محمد روحي بك الخالدي – عنى بتصحيحها السيد حسين وصفى
رضا – بنفقة مكتبة المنار وحقوق الطبع محفوظة لها ، بشارع الجماميز بمصر سنة 1326ه
التاريخ السرى
لإمبراطورية العثمانية – مصطفى أرمغان – ترجمة مصطفى حمزة – عبد القادر عبد الله –- الطبعة الأولى – 1435ه /
2014م – الدار العربية للعلوم ناشرون – بيروت – لبنان
تاريخ الدولة
العثمانية – إشراف روبير مانتران – ترجمة بشير السباعي – دار الفكر للدراسات والنشر
والتوزيع – القاهرة – الطبعة الأولى 1993م
تاريخ الدولة
العلية العثمانية – تأليف الأستاذ محمد فريد بك المحامى – تحقيق الدكتور إحسان حقي
– الطبعة الأولى – دار النفائس – بيروت 1401ه / 1981م
تاريخ الدولة
العثمانية – تأليف الدكتور على حسون – الطبعة الثالثة – 1415ه / 1994م – المكتب الإسلامى
بيروت – دمشق – عمان
تغلغل الماسونية
فى الدولة العثمانية 1839 – 1918م – الدكتور عصمت برهان الدين عبد القادر – كلية الأداب
– جامعة الموصل
الدولة العثمانية
فى التاريخ الإسلامي الحديث – تأليف الدكتور إسماعيل أحمد ياغي – مكتبة العبيكان –
الطبعة الأولى 1416ه – 1996م
الدولة العثمانية
المجهولة – 303 سؤال وجواب توضح حقائق غائبة عن الدولة العثمانية – الأستاذ الدكتور
أحمد آق كوندز – الأستاذ الدكتور سعيد أوزتورك – أتراك السعودية – وقف البحوث العثمانية
.
الدولة العثمانية
عوامل النهوض وأسباب السقوط – تأليف على محمد محمد الصلابى – الطبعة الأولى –دار التوزيع
والنشر الإسلامية – بورسعيد – مصر – 1421 ه / 2001م
ذكريات السلطان
عبد الحميد الثاني – تأليف مراد دومان - ترجمة
أحمد عمر أحمد - تحرير إسماعيل قيار – تصميم احمد على شحاته – الطبعة الاولى – دار
النيل للطباعة والنشر – القاهرة – 2016 م
السلطان عبد
الحميد الثانى – مذكراتى السياسية – 1891- 1908 م – الطبعة الأولى 1397ه – 1977م /
الطبعة الثانية 1399ه – 1979م – موسسة الرسالة – بيروت
السلطان عبد
الحميد الثاني آخر السلاطين العثمانيين الكبار – بقلم الدكتور محمد حرب – دار القلم
دمشق – الطبعة الأولى 1410ه – 1990م
السلطان عبد
الحميد الثاني شخصيته وسياسته – سليمان جوقه باش – ترجمة عبد الله أحمد إبراهيم – المشروع
القومى للترجمة – إشراف جابر عصفور - الطبعة
الأولى 2008
السلطان عبد
الحميد الثاني حياته وأحداث عهده – تأليف أورخان محمد علي – الطبعة الرابعة - أسطنبول – بيوك جاملجة 2 / 1/2008 م
سلاطين الدولة
العثمانية - صالح كولن - تحرير أجير أشيوك – مراجعة أديب إبراهيم الدباغ
، بهاء الدين نعمة الله - دار النيل للطباعة والنشر - الطبعة الأولى 1435ه / 2014م
صنائع الإنجليز
– بيادق برسي كوكس وهنري مكماهون – سعود بن عبد الرحمن السبعاني – الطبعة الأولى
2016م
لمحات اجتماعية
من تاريخ العراق الحديث – الدكتور على الزردى استاذ متمرس بجامعة بغداد
موسوعة تاريخ
الأمبراطورية العثمانية السياسى والعسكر والحضارى
629 -1341ه / 1231 – 1922م – تأليف يلماز أوزتونا – ترجمة عدنان محمود سلمان
–الدار العربية للموسوعات – بيروت - الطبعة الأولى 2010م – 1431ه
الوالى مدحت
باشا ونشاطه فى الدولة العثمانية بين العمالة والإخلاص ( 1822 – 1884 م ) مذكرة لنيل
شهادة الماستر فى التاريخ – أعداد الطالبة سليماني إيمان – السنة الجامعية 1439 –
1440 ه / 2018م – 2019م – جامعة محمد بوضياف – المسيلة – الجزائر
والدي السلطان
عبد الحميد الثانى – مذكرات الأميرة عائشة عثمان أوغلي – نقلها إلى العربية د. صالح
سعداوي صالح – دار البشير للنشر والتوزيع – الطبعة الأولى 1411ه – 1991م – عمان – الأردن
وقعة السلطان
عبد العزيز – تأليف احمد صائب بك -تعريب محمد توفيق جانا – طبع بمبطة هندية بشارع المهدى
بالاربكية بمصر
تعليقات
إرسال تعليق