عثمان باشا الغازى (1247ه / 1832م –1317ه / 1900م )

مولده ومكانته : -

ولد عثمان باشا فى مدينة طوقات وسط الأناضول إحدى مدن سيواس في شمالي آسيا الصغرى عام1247ه / 1832م ، وهو من عائلة ياغجى أوغولاري المرموقة ، كان أبوه موظفاً حكوميا فى مدينته ، عثمان نوري باشا ، وبعد ولادة عثمان بمدة قصيرة تم تعيين أبيه فى منصب في العاصمة العثمانية ، وانتقلت الأسرة إلى إسطنبول ، وأدخل أحدى المدارس الابتدائية ، وكان شقيقه حسين أفندي أستاذَ اللغة العربية في المدرسة الإعدادية هناك فأدخله في تلك المدرسة فتلقى فيها مبادئ العلم،  وبعد خمس سنوات انتقل إلى المدرسة الحربية،  وانتظم في سلك المدرسة الحربية فنبغ بين رفاقه، وخرج منها سنة 1853م  ضابطًا ملازمًا في فرقة الفرسان (سواري)، فلما انتشبت حرب القرم أُلحق بأركان حرب عمر باشا القائد الشهير، وشهد مواقع كثيرة أظهر فيها بسالة استلفتت انتباه رؤسائه، فلما عاد من الحرب ترقى إلى رتبة يوزباشي في الحرس الشاهاني بالآستانة، ثم عين فى اللجنة التى كلفت بتنظيم خرائط الأناضول ، ثم صار رئيساً لأرطان الحرب فى معسكر بكييشهر فظهرت براعته فيها أحسن ظهور كان في جملة رجال العسكرية الذين توسطوا في إصلاح شئون الحوادث السورية عام 1860 م  وهو في رتبة بكباشي، وتوجه إلى اليمن في عام 1863م لحل مشاكلها وعاد منها وهو يحمل لقب باشا ، واشتغل سنة 1866 م  في إخماد ثورة ظهرت في كريد، فارتقى على أثر ذلك إلى رتبة قائمقام، وعاد إلى الآستانة فارتقى هناك إلى رتبة أميرالاي، وأنعم عليه بالوسام المجيدى الثالث سنة 1283ه /1866م ، وفي سنة 1874 م  أحرز رتبة لواء، ولما عين قائداً لفرقة يكى بازار نظمها أحسن تنظيم فارتقى إلى رتبة فريق وجعل قائداً للاستانة العلية ثم لاشقودره ثم لبوسنة ثم تعين رئيساً للمجلس العسكرى فى الفيلق الرابع ، وتولى قيادة الفيلق الخامس، وخرج لمحاربة الصرب ففاز في كل المواقع وعاد وقد حمل الصربيين على التماس الصلح ، فصدرت الأوامر السنية بترقيته إلى رتبة المشيرية مكافأة له، وأنعم عليه بالوسام المجيدى الثانى ، وفي سنة 1877م  انتشبت الحرب الشهيرة بين الدولة العليَّة والروس فتولى قيادة 68 طابورًا و17 كوكبة و174 مدفعًا، وحارب جند الروس في مواقع كثيرة، وفي هذه الحرب نال هذا القائد شهرته الكبرى.


عثمان باشا الغازي

أولاده

له من الأولاد نور الدين باشا وهو اكبر أولاده وقد تزوج  بزكية سلطان ابنة السلطان عبد الحميد الثانى ، وكمال الدين باشا الذى تزوج نعيمة سلطان ابنة السلطان عبد الحميد الثانى ، وجمال بك أفندى وكان برتية بكباشى فى الجيش العثمانى ، وملازم فى عسكر برويسا ،  واشتغل بالتحصيل فى برلين ، وحسيب بك وهو من حجاب الحضرة السلطانية .

عثمان وبليفنا 

في 24 نيسان/ إبريل 1877، بدأت جيوش الحلفاء بالزحف، فأرسلت روسيا 20 ألف مقاتل بقيادة الدوق نيكولاس، نحو نهر الدانوب متجهين إلى مدينة نيقوبوليس جنوب بلغاريا. وعندما علم السلطان عبد الحميد الثاني بذلك، أرسل سريعا 11 ألف مقاتل بقيادة المشير عثمان باشا، الذي بلغ من العمر 45 عاما، ﻹنقاذ المدينة ، وسقطت المدينة قبل وصول الجيش العثماني إليها ، وعندما وصل الخبر لعثمان باشا اتجه بقواته إلى مدينة بليفنا لصد الهجوم عنها فهي المدينة التالية بعد نيقوبوليس وليتحصن بها كذلك،  وفي 19 تموز/ يوليو وصل الروس لمدينة بليفنا وأمر قائدهم الجنرال شولدنر المدفعجية بالقصف، وبعد ساعات أمر جنوده بالهجوم ليستولوا على الخنادق اﻷمامية ، أرسل عثمان باشا تعزيزات لدعم الخطوط اﻷمامية، وتمكن من استرجاع الخنادق، وقتل من الروس 3000 رجل ومن العثمانيين 2000 شهيد، ووصل فيلق روسي بقيادة اﻷمير كارول الروماني، فأصبحت قوات الحلفاء 35 ألف مقاتل و176 مدفعا، وأرسل السلطان العثماني قوات داعمة لعثمان باشا، لتصل قواته إلى 22 ألف مقاتل و58 مدفعا ، وفي يوم 31 تموز، هجمت قوات الحلفاء من ثلاث جهات، الفرسان من الجانبين والمشاة من العمق، وكان عثمان باشا على فرسه يُحرّض مقاتليه على الصمود، إلى أن استطاع أن يصد الهجوم ، وبلغ عدد قتلى الحلفاء 7300 قتيل و2000 شهيد عثماني،فأصدر السلطان عبد الحميد فرمانا خاصا بالثناء على عثمان باشا ، وبعد نحو شهر شنت فرقة فرسان أشبه بفرقة انتحارية هجوما مفاجئا على جيش الحلفاء بتنظيم من عثمان باشا وتفاجأ الحلفاء بهم، إلا أنهم استطاعوا أن يصدوا الهجوم وبلغت خسائرهم 1300 قتيل واستشهد من العثمانيين 1000 شهيد ، وصلت تعزيزات إلى الحلفاء بلغ تعدادها 45 ألف مقاتل بقيادة الجنرال الروماني ألكساندرو، و80 ألف مقاتل على رأسهم القيصر الروسي ألكسندر الثاني ليدعم جنده، وبذلك بلغ عدد جيش الحلفاء 150 ألف مقاتل ، تأزم الوضع على عثمان باشا ومن معه، فأرسل السلطان عبد الحميد إليه 13 كتيبة، ليصل عدد قواته إلى 48 ألف مقاتل، ولم يستطع الدعم بأكثر من ذلك، ﻷنه كان عليه أن يمد جبهات قتال أخرى أسوأ حالا من بليفنا ، شن الحلفاء هجوما في 11 أيلول/ سبتمبر، ونظرا لعدم تكافؤ تعداد الجيوش تعرض العثمانيون لضغط شديد، فخسر عثمان باشا عددا من الخنادق والمقرات الدفاعية، ما اضطره إلى التراجع، واستمر الهجوم عدة أيام، وحاول عثمان باشا استرداد ما فقد بهجمات مضادة، ولصعوبة الوضع لم يستطع أن يسترده كله، واستشهد 8000 عثماني وقُتِلَ للحلفاء 20 ألف قتيل ، ولكثرة الخسائر، توقف القتال وعاد القيصر إلى روسيا، وأرسل الجنرال إدوارد تودلين ليقود المعركة، الذي أمر بحصار المدينة فور وصوله إلى بليفنا ، طوّق جند الحلفاء المدينة من الجهات اﻷربع وبدؤوا بقصفها من كل الجهات ، وقبل أن يتم التطويق أرسل عثمان باشا وقد علم باﻷمر، إلى السلطان يُعلِمه بتأزم الوضع و يطلب السماح له ولجنده بالتراجع وترك بليفنا ﻹعادة تجهيز المقاتلين وترتيب الصفوف ومداواة الجرحى ثم معاودة القتال ، رفض السلطان طلبه وحثّهم على القتال والصبر، وتوقفت كل اﻹمدادات عن العثمانيين المحاصرين، واستمر القصف عدة أيام وسقط الكثير من الشهداء، وخسر عثمان باشا الكثير من الخنادق وتراجع كثيرا، وأيقن أن الجيش سيهزم ، فعزم الغازي عثمان باشا على الهجوم الكامل، فإما أن يكسر الحصار وينتصر وإما أن يستشهدوا ، وفي ليلة 9 ديسمبر صاح عثمان باشا وهو على فرسه "بسم الله الرحمن الرحيم" فخرج جنده من الخنادق ومن خلف أكياس الرمل ومن الحفر ومن كل مكان ، وركضو جميعهم نحو جيش الحلفاء، فتفاجأ خطهم اﻷمامي وبدأ بإطلاق النار، وتمكن العثمانيون من الاستيلاء على خطهم وأداروا مدافعهم باتجاههم وقصفوهم، وعثمان باشا يتقدم جنده ، وأطلق الخط الثاني النار عليهم، وكسروا لكثافة الهجوم ولاح النصر للعثمانيين، وجاءت المساندة من كل الجهات إلى الجهة التي خرج منها عثمان باشا ،واقتحم عثمان باشا الخط الثالث، وجاء اﻷمير كارول ومن معه لصد الهجوم، وتكاثر جند الحلفاء على العثمانيين، وأصيب عثمان باشا في قدمه وقتلت فرسه وشاع مقتله ، فبدأ جنده بالتراجع إلى المدينة، ووجدوا الحلفاء بانتظارهم، فاضطر عثمان باشا لتسليم نفسه ﻹنهاء المعركة، التي دامت 143 يوما، وانتصر الحلفاء ،وقتل في هذا الهجوم اﻷخير 5000 قتيل واستشهد 2000 عثماني، وهنّأ قادة جيش الحلفاء عثمان باشا على دفاعه المُشرّف، فلما استسلم عثمان بعث إليه قائد الروسيين مركبة يركب فيها إلى بلافنا لمداواة جراحه فركب، وهو في الطريق لقيه الغراندوق نيقولا ومعه البرنس شارل أمير رومانيا فأوقفا عربته وسلَّما عليه مصافحة ، ورفض عثمان باشا مصافحة قائد الحلفاء، وعومل باحترام مقابل بطولته المشرفة في الدفاع عن وطنه ، وانتشرت مقاومته في كل أوروبا، وتم إرساله إلى روسيا حيث استقبله القيصر في قصره، وقال له كلمات حفظها التاريخ إلى يومنا هذا : لا يحزنك أيها الباشا أنك اضطررت للتسليم فأنك لم تسلم جبناً ولا تقصيراً بل دفعت عن وطنك أشد الدفاع وانتهيت فى الشجاعة والثبات إلى الغاية التى لاوراءها وأننى لا أنظر إليك كما أنظر إلى الأسير وأنما انظر إلى بسالتك بعين الأحترام والتوقير ، وأرانى ذا حظ بالتقائى بشجاع مثلك في حومة الوغى  وهذا سيفك أردُّه إليك إقرارًا ببسالتك وأهليتك، ولك أن تتقلده في بلادي، وهذه مركبتي وهؤلاء حرسي تحت أمرك إذا شئتَ ركبت، وإن شئتَ مكثت ، وأعاد له القيصر سيفه، ومكث في روسيا أسبوعين حتى شفيت جراحه، حيث أمر بان تضرب له خيمة بجانب خيمة الغراندوق نقولا القائد العام لعسكر الروس وكان الغراندوق يزوره كل يوم ويلاطفه ويسليه،  ثم أطلق سراحه ورجع إلى إسطنبول، ولم يرجع من جيشه الذي كان تعداده 48 ألفا إلا 12 ألفا فقط، أما الباقي فكانوا بين مفقود وشهيد ،  فاستقبل فيها باحتفال عظيم ومن المستقبلين له عدد كثير انتهوا إلى مدخل البحر الأسود ولما بلغها سار تواً إلى المابين الهمايونى حيث حظى بمقابلة السلطان عبد الحميد ولقى منه أجمل الالتفات وتناول طعام العشاء فى ذلك اليوم على المائدة السلطانية وحضر معه العشاء وكلاء الدولة وأكابر وزرائها ، وكان السلطان عبد الحميد يخصه  بالملاطفة على المائدة وانعم عليه فى ذلك المجلس بالوسام العثمانى المرصع وقلده سيفاً محلى بالذهب من آثار السلطان محمود خان منقوش عليه هذه الكلمة ( للغازى ) .

ومن غريب ما تقوله الناس على أثر ما ظهر من بسالته في حصار بلافنا أن كل أمة حاولت أن تدَّعيه لنفسها، فقال الأمريكان: إن الرجل أمريكاني الأصل، وقال الفرنساويون: إنه فرنساوي، وقال غيرهم غير ذلك، ولكنهم تحققوا بعد ذلك أنه تركي لا شك فيه.

المناصب التى تتدرج فيها بعد حصار بلفينا

لما عاد عثمان باشا إلى اسطنبول عين مشيراً للحرس السلطانى ، وفي 10يونيو من تلك السنة عُيِّن مشير المابين ثم واليًا لجزيرة كريد ، وفي آخر تلك اسنة 1878 م انتُدِب لوزارة الحربية وتقرَّب من الحضرة الشاهانية فنال كل التفات ورعاية ،ونال أشرف وساماتها ووسام كومندور اللجيون دوتور من فرنسا ، ولا يجتمع مجلس في سراي يلدز إلا وهو من أعضائه، وإليه النظر في شئون جند المابين وملاحظة كل ما يتعلق بالمابين وكل ما يحدث فيه، وله دائرة خصوصية هناك يقيم فيها وله الكُتَّاب والمأمورون ، وفى عام 1894 عهد إليه بوزارة الحربية ( سر عسكر ) فبقى فيها مدة ، ثم فصل منها وبقى مضيراً للمابين ثم أعيد إلى وزارة الحربية مرة أخرى عقيب وفاة السر عسكر على صائب باشا ، ثم انفصل بعدة مدة وبقى مشيراً للمابين إلى آخر أيام حياته فكانت مدة خدممته فى هذا المنصب 22 عاماً .

أواخر أيامه

 ثم أصيب بمرض عز شفاؤه فتوفي في الآستانة في  الخامس من أبريل 1900م / 05 ذى الحجة 1317ه وهو لم يتجاوز الثامنة والستين من عمره، وفي موته خسارة كبرى على الدولة العثمانية؛ لأنه من أعاظم أفرادها[4] .


تعليقات